تدل وقائع الأزمة المحيطة بقانون الانتخاب بأن النظام اللبناني سيشهد تعديلا على حساب صيغة الطائف، في حال وصل الامر الى الفراغ النيابي وادخال عمل الحكومة في اجتهادات المهام والصلاحيات لعدم وجود مجلس نواب لممارسة رقابته عدا ان البلاد تكون امام محطة فراغ مفتوحة على مخاطر متعددة .
والتوافق الثنائي لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس الحكومة سعد الحريري ومع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للالتزام باتفاق الطائف كأحد المسلمات الاساسية لانتخاب المستقبل والقوات رئيس تكتل التغيير والإصلاح يومها رئيسا للبلاد، بات اليوم هذا التوافق امام واقع جديد، ليس فقط لان عون رفض اتفاق الطائف منذ ولادته، بل ايضا بعدما تبين اثر ممارسته الرئاسية، بانه «ضيق» عليه ويحد من قدراته كرئيس قوي يمتلك حالة وزارية – نيابية -شعبية خرجت من رحم مواقفه ونضاله، وهو لا يقبل ان يفشل عهده نتيجة الصلاحيات المحدودة التي بقيت له لدرجة عدم تمكنه من الإشراف على هيئات الرقابة بعدما أضحت تدور في فلك القوى السياسية وتحمي فسادها، ولذلك جاءت مطالبة وزير العدل جريصاتي لإخضاع هذه الهيئات لرئيس الجمهورية في خانة الاعتراض على ربطها بغير مرجعيات ومؤسسات دستورية في الدولة.
وفي منطق عون إن رئاسة الجمهورية على ما هو واقعها بعد الطائف أمر لا يمكن الاستمرار عليه وهو لا ينطلق من قناعته بأنه يتصرف كقائد للجيش مطلق الصلاحيات وأن القوى الأخرى المعترضة على سياسته تصنف في خانة المتمردة بل يعتبر بأن النظام الحالي يمتلك عدة مفاصل قادرة أن تعطل قرار رئيس الجمهورية بحيث دلت التجاذبات حول قانون الانتخاب عدم إمكانه حسم الأمر نتيجة القراءات والاجتهادات المحيطة بالمواد الدستورية التي تمكنه أن يمارس حالة من الضغط اذا ما أراد التهويل بها بهدف تصويب الأمور،
واذا كان رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري لا يسير بأي قانون انتخاب لا يرضي كل الطوائف هادفا بذلك طمأنة رئيس حزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، فأنه بذلك كما تقول أوساط على صلة بعون أن يفرمل أي اتفاق على أي قانون انتخابي جديد بعدما حدد جنبلاط يوم الأحد الماضي مطلبه الانتخابي بضرورة البقاء على قانون الستين أي القانون الحالي، لإن التضامن بين بري وجنبلاط من شأنه أن يجعل مجلس النواب أمام الفراغ اذا لم يتم التفاهم على قانون جديد لان رئيس الجمهورية يرفض التمديد أو اجراء الانتخابات على هذا القانون وبذلك تكون البلاد متجهة نحو انتهاء ولاية البرلمان الحالي دون معرفة ما بعد هذه الخطوة على غرار ما حصل في العام 1988 الذي تم انتاج الطائف بعدها.
وفي المقابل يشكل الفراغ المرتقب محطة تلاقي مع حسابات حزب الله الذي لا يزال حتى اليوم غير مسلم نهائيا باتفاق الطائف وهو يسعى للصيغة اللبنانية يحصل فيها دستوريا على حضور أوسع في توازنات المعادلة فتكون المثالثة هي البديل عن المناصفة لكن بعد محطة فراغ نيابي تدفع نحو مؤتمر تأسيسي لاعادة النظر في هذه الصيغة التي تجمع بين رفض عون للطائف وحاجة حزب الله الى صيغة جديدة تمكنه من أن يكون حاصلا على حيز أوسع في منظومة النظام الجديد.
ونتيجة هذا الفراغ سيكون رئيس الجمهورية المرجع الصالح لرعاية مؤتمر تأسيسي في ظل سقوط مجلس النواب واستقالة وزرائه وحزب الله والقوات من الحكومة، على ما يدور الكلام في أوساط مطلعة في هذا الشأن، لا سيما أن القوات اللبنانية قد لا تكون بعيدة عن عون في هذا التوجه، عدا أن الكتائب غير رافضة بعدما عبر مرارا رئيس الحزب النائب سامي الجميل عن ضرورة اعادة النظر في المشهد الحالي للنظام. فيطرح هذا التعديل عندها في وقت تبدو القوى الخارجية الحامية للطائف غير قادرة على حمايته بما من شأنه أن يسهل انطلاق عملية البحث عن نظام جديد.
الا أن أوساطا في المحور الرافض لتعديل الطائف ترى بأن الظروف غير مناسبة لادخال البلاد في أي مراهنة وأن المعطيات التي أدت لانتاج التسوية الرئاسية على صعيد رئاستي الجمهورية والحكومة، لا زالت قائمة وأن المواقف السياسية العالية لن تؤدي الى خرق السقف أو الاطار المرسوم لعمل الدولة اللبنانية في المرحلة المقبلة، عدا أن تساهل الحريري حاليا يأتي من حرصه على الهدوء والاستقرار والعلاقة الجيدة مع عون كما مع سائر القوى السياسية، وهذا لا يعني بأنه من الممكن تجاوز دعمه للطائف أو انتقاله عندها من حالة التريث والمهادنة الى موقع يؤكد من خلاله رفضه التلاعب بالصيغة اللبنانية لان ذلك ليس سهلا وهو الذي عمد وجعجع الى مبادرات ايجابية بهدف اخراج البلاد من الفراغ ووضعها على سكة الاستقرار السياسي والأمني والتفعيل الاقتصادي.