الهواجس: هل الرياض مهتمة بمصالح المسيحيين… وما هو ثمن التقارب مع دمشق؟
الدوحة لن تطرح «خارطة طريق» قبل تبلور الموقف السعودي
بانتظار ان تتضح حدود التفاهمات الايرانية- السعودية، وزمن التحاق الملف اللبناني العالق حتى الآن في «عنق الزجاجة» بالتسوية، تبقى باريس الطرف الاكثر حيوية على خط الاستحقاق الرئاسي، فيما تحاول قطر الاستفادة من الهامش المتاح راهنا، لبلورة صيغة معينة يمكن تسويقها وعرضها على مجموعة الخمسة زائد واحد (السعودية، مصر، فرنسا، الولايات المتحدة، قطر، ايران)، كي يبنى على الشيء مقتضاه، ولهذا من المفترض ان يعود الوفد القطري الى بيروت بعد عيد الفطر لتقديم اجابات على سلسلة من الاسئلة، «وجس نبض» الاطراف السياسية حول «خارطة طريق» للحل المفترض.
وبعدما التزم وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي الصمت في جولته الاخيرة، سيكون هناك موعد مع الكلام بعد شهر رمضان، لكن دون آمال كبيرة بحلحلة وشيكة. هذه الترجيحات لمصادر ديبلوماسية لا تبدو جازمة، بان يكون الجانب القطري قد اصبح جاهزا لتقديم مقترح واضح بتزكية قائد الجيش جوزاف عون كمرشح قادر على جمع القوى السياسية المتناقضة من حوله، في غياب اي ضمانات سعودية بأن يحصل «الثنائي الشيعي» على مقابل في رئاسة الحكومة وبرنامج عملها المقبل. فالدوحة تدرك جيدا ان اي تنازل مفترض من «الثنائي»عن دعم ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لن يكون دون ثمن، وهي لا تملك القدرة على تسديده، ودون دخول الرياض عمليا في «البازار»، لا يمكن الحديث عن حل متكامل يمكن تسويقه والرهان على نجاحه.
واذا كانت قطر قد «لعبت» في الفترة الماضية دور «الوسيط» بين الايرانيين والسعوديين، فهي فقدت هذا الدور الآن بعدما بات التواصل مباشرا بينهما، ولهذا تراهن الدوحة على التقدم في تنفيذ الاجندة المتفق عليها في اتفاق بكين، لتضع عرضها على الطاولة للنقاش، الا اذا اختار الايرانيون والسعوديون صياغة تفاهم ثنائي قد يصبح ثلاثيا اذا حصل التقدم المأمول في العلاقة مع دمشق. ومن هنا، يمكن القول ان الدوحة الآن في وضعية الترقب لمآلات الاتصالات الجارية كي تبني على «الشيء مقتضاه».
من جهتها، لم تملّ باريس من الحراك على مختلف الاصعدة، وعلى اجندتها لائحة شخصيات مارونية ستتم دعوتها الى باريس قريبا، لرفع مستوى التواصل الذي تقوم به في بيروت السفيرة آن غريو، التي زارت بالامس معراب والتقت رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع «المرتاب» من الدور الفرنسي الحالي، وهو لم يخف قلقه امام غريو التي سمعت انتقادا حادا باسلوب لطيف، حول دور بلادها الملتبس. ووفقا لمصادر مطلعة، حمّل جعجع سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون مسؤولية اضعاف الدور المسيحي في لبنان، بفعل عدم اكتراثه للاجماع السياسي والديني على رفض ترشيح فرنجية، الذي لا تزال باريس مصرة على تسويقه على قاعدة «عنزة ولو طارت»! وقد كرر موقفه الرافض بحزم لاي تسوية تعيد استنساخ تجربة الرئيس السابق ميشال عون، لان انتخاب رئيس من «الممانعة» يعد خيانة للشعب الذي انتخب مجلسا نيابيا متوازنا لا غلبة فيه لاحد، فلماذا مطلوب الآن تقديم الرئاسة على «طبق من فضة» بما يخالف التوازنات النيابية الحالية؟
هذا التشدد في موقف «معراب» لا تتفهّمه باريس ولا تتفق معه، لانه يعالج الموقف من زاوية ضيقة قد تكون نتائجها خطرة لاحقا على الدور المسيحي في الاستحقاقات الكبرى، وهو امر سبق وقيل على مسامع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. فغريو وان كانت تقر بان الامور لا تزال تراوح مكانها، والتسوية الرئاسية لم تنضج بعد خارجيا، الا انها تشرح لمحديثيها طبيعة موقف بلادها التي تحاول التشجيع على ايجاد تقارب داخلي تنتج منه تسوية تعرض لاحقا على القوى الرئيسية المعنية بالــشأن اللــبناني، لان الخشية في باريس تبقى من خروج الامور عن قدرتها على التحكم بمسار الامور، بعدما جلس المتخــاصمون حول طاولة واحدة يبحثون في ترتيب اولوياتهم ويتقاســمون لعبة المصالح. والسؤال المطروح برأيها هو من يمثل مصالح المسيحيين على هذه «الطاولة»؟ الجواب لا احد. ولهذا تسأل غريو القيادات المسيحية التي تلتقيها، وآخرها جعجع بالامس، ما هو الطرح الذي تملكونه مقابل رفض التسوية التي نطرحها؟ هل من اتفاق مسيحي –مسيحي على «خارطة طريق» كي نتبناها ونعمل على تسويقها؟ ماذا لو اعيد «تلميع» النظام السوري وحصلت مقايضة على الملف اللبناني؟ هل من ضمانة ان الرياض مهتمة بتأمين مصالح القوى المسيحية الحليفة؟ وما هو الثمن؟
طبعا لا توجد اجابات مرضية على هذه الاسئلة، لان «الطريق» مقطوع بين «معراب» «وميرنا الشالوحي» وكذلك «الصيفي»، وحفلة «التخوين» باتجاه الموقف الفرنسي تزيد الموقف تعقيدا وتشعر الفرنسيين «بالاحباط»، لانهم يحاولون تسويق تسوية «افضل الممكن» لكن لا يجدون آذانا صاغية، وبرأيهم يجب على القوى المسيحية ان ترى الامور على نحو مختلف، فالرئيس لم يعد يؤدي دورا وازنا في السلطة التنفيذية، ولهذا يجب ان يتم التركيز على محاولة الحصول على ثقل سواء في الحكومة المقبلة ودورها، او في هوية رئيسها. وكذلك في حاكمية مصرف لبنان وبعض الوظائف المهمة في الدولة. ما تريده باريس من القوى المسيحية، الانفتاح على فكرة اجراء نقاش يتعدى «الشخصنة» في موقع الرئاسة الاولى، اما التمسك بالسلبية دون تقديم حلول او اجوبة، والرهان على الوقت، فيبدو انه مغامرة في غير مكانها، فالاحداث تتسارع على نحو غير مسبوق، ولن تجد بعض القوى المتمسكة بقول «لا ونقطة على السطر» مكانا لها على طاولة التفاوض لاحقا، ثمة «زلزال» ايراني- سعودي كبير ستصيب هزاته الارتدادية الساحة اللبنانية، ثمة مناخ جديد يولد في المنطقة، ومن لم يقتنع بذلك، عليه ان يدرك ان خبر زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى جدة بالامس ليس تفصيلا عابرا، والتقدم في المحادثات بين السعودية والحوثيين ليس عابرا، والتطبيع المتسارع بين طهران والرياض ليس مؤقتا او حدثا عابرا، شرق اوسط جديد يتشكل، ولا مكان فيه الا للعقلاء والاقوياء.