حضر الناخبون ولم يحضر المرشحون، فطارت الجلسة السادسة والثلاثون بعدما عجز النواب الحاضرون عن تغطية العدد الكفيل بتأمين النصاب الدستوري للانتخاب. وإذا كان حضور الرئيس سعد الحريري أضفى نكهة جديدة ميزت الحضور النيابي إلى البرلمان أمس، فإنها لم تنجح في كسر التقليد المتبع على مدى 35 جلسة سابقة، بحيث بقي القديم على قدمه في انتظار ظروف أفضل تفضي إليها الجلسة السابعة والثلاثون المقررة في 23 من الجاري.
ثلاثة أسابيع تفصل عن الموعد الجديد لانتخاب رئيس للجمهورية. مهلة اعتمدها الرئيس نبيه بري. لم يكسر القاعدة المعتمدة سابقا، بما يشي بأن لا جديد مرتقبا يعجل في الانتخاب. لكن رغم ذلك، حملت الجلسة أمس مدلولات مهمة لا بد من التوقف عندها:
– إنها المرة الأولى منذ أول جلسة انتخاب، يُسجل حضور كثيف للنواب بلغ 73 نائباً، فيما غاب عنها نواب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والنائب سليمان فرنجيه. وللحضور والغياب دلالاته. فالحضور استعاد مشهدية الأكثرية النيابية التي أنتجتها انتخابات 2009، بقطع النظر عن التباينات في التحالفات التي طبعت تلك الأكثرية في الآونة الاخيرة. والأمر عينه ينسحب على الغائبين الذين أكدوا بغيابهم ثبات تحالفهم، رغم أن بينهم المرشحين الاساسيين للرئاسة عون وفرنجيه. وهذا يعكس أنه أيا تكن تحالفات الرجلين الرئاسية (أحدهما مع “المستقبل” والآخر مع “القوات اللبنانية”)، فإن ثبات تحالفهم تحت لواء الثامن من آذار يبقى الأقوى والأهم. وإن أيا من المرشحين ليس على استعداد للخروج عن عباءة “حزب الله” وبركته.
– إن بقاء الحضور الكثيف دون السقف المطلوب لتأمين نصاب الجلسة الانتخابية يعني من دون أدنى شك أن مفتاح الحل والربط لا يزال في يد الحزب. وهذا يعني استطرادا ان الحزب لا يزال على موقفه القاضي بتعطيل الانتخاب.
– إن عدم حضور فرنجيه الجلسة، وهو واحد من المرشحين الثلاثة، قد يعطي “تيار المستقبل” الذرائع للتراجع عن تبنيه لترشيحه، ويفتح الباب أمام طرح جديد ينحو في اتجاه الرئيس التوافقي. لكن مراجع مستقبلية بارزة جزمت أن التيار ليس في وارد التراجع عن هذا الترشيح الآن، ولن يكون في مثل هذا الوارد ما لم تحتم ظروف قاهرة استثنائية مثل هذا الخيار. والواقع أن “المستقبل” لن يخوض مثل هذه التجربة لأن سحبه البساط من تحت فرنجيه سيعطي عون حظوظاً أكبر في الوصول الى سدة الرئاسة.
– هذا الكلام يقود إلى خلاصة أن التسوية الرئاسية لا تزال في عنق الزجاجة، في ظل استمرار التعثر الذي يواهه هذا الاستحقاق، داخليا وخارجيا. وإذا كان كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل يومين قد أخذ المواجهة إلى أوجها، ولا سيما في الموضوع السعودي، فإن موقف مجلس دول التعاون الخليجي بتصنيفه على لائحة الارهاب ضاعفت التعقيدات منذرة برفع مستوى المواجهة إلى أقصى الحدود، وواضعة البلاد أمام حائط مسدود لا أفق له، الامر الذي يطيح أي كلام في الرئاسة ويجعله خارج السياق العام للأوضاع المتدهورة.
– يضاف إلى ذلك العامل الخارجي الذي يجعل التسوية عالقة في عنق الزجاجة، إذ إن ظروفها لم تنضج بعد، وليس في الافق ما يشير إلى إمكان نضوجها في وقت قريب، خصوصا أن قرارها لا يزال محكوما بالمعطى الاقليمي عموما والسوري تحديدا، والذي يشهد تطورات متتالية بدأت تبلور معالم الخريطة السياسية والديموغرافية المقبلة، والتي لا يزال من المبكر للبنان استباق نتائجها.
وعليه، تعود الامور الى المربع الاول، ويعود الاهتمام المحلي الى ملف النفايات والى مصير الحكومة المعلق عليه. وفي حين كان يرتقب أن تنجح اللجنة الوزارية المكلفة هذا الملف في التوصل الى نتائج عملية ترفعها الى جلسة مجلس الوزراء اليوم، فإن مصادر المجتمعين في السرايا كشفت لـ”النهار” أن ثمة تقدما تحقق، ولكن ليس بالمستوى الذي يتيح للمجلس ان يتخذ قرارات جذرية في شأنها، مشيرة الى ان الاتصالات لا تزال جارية بين رئيس الحكومة والرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من اجل التوصل إلى تذليل العقبات التي لا تزال تعيق إنجاز مواقع المطامر والكميات التي سيتم طمرها فيها.
ولكن هذه الأزمة لن تعرض الحكومة للاهتزاز رغم تهديدات وزراء الكتائب بالاستقالة أو تلويح رئيسها باتخاذ موقف إذا لم يتم معالجة الملف، وذلك على قاعدة أن الحكومة لا تزال حاجة لجميع القوى وليس لدى أي منها النية في التفريط بها، اقله في المرحلة الراهنة.