لا تخفي أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع، إنخراط فرنسا في كل تفاصيل المشهد السياسي والمالي اللبناني، وبأن هذا الدخول على خطّ العناوين والأزمات منذ 17 تشرين الأول 2019 إلى الشغور الرئاسي، مروراً بجريمة تفجير مرفأ بيروت، قد تمّ على مستوى الرئاسة الفرنسية ثم على مستوى الديبلوماسيين والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، التي تكشف أمام زوارها من المسؤولين اللبنانيين، كما السفراء العرب، بأن باريس تملك تفويضاً من الإدارة الأميركية الحالية، ومن الرئيس جو بايدن شخصياً، بتولي الملف اللبناني وبالعمل على إعداد مقاربة خاصة بأزمة الشغور الرئاسي، ولكن من دون الانزلاق إلى لعبة الأسماء، والاكتفاء بتحديد خارطة طريق للتوافق بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية.
وعلى هذا الأساس، تقرأ الأوساط الديبلوماسية المواقف والتصريحات الفرنسية، والتي يأتي من ضمنها، ما أعلنته السفيرة غريو منذ أيام لمناسبة العام الجديد، والذي تناولت فيه أكثر من ملف داخلي، وليس فقط الملف الرئاسي، عن مبالغة في تصوير الدور الفرنسي في الأزمات الداخلية، خصوصاً في السنوات الماضية، مشيرةً إلى أنها لا تملك أدوات ضغط أو قوى سياسية تتشاور معها في أي قرار في الملفات الكبرى، ولذا فإن الإجتماع الرباعي الذي يجري الإعداد له في العاصمة الفرنسية خلال أيام، لا يخرج عن سياق التشاور والتنسيق بين العواصم العربية والغربية المعنية بالملف اللبناني عموماً، وليس بالملف الرئاسي.
وتشير الاوساط الى ان لغطاً كبيراً يحيط بهذا اللقاء، والذي يتناول الأوضاع الإجتماعية والإنسانية وسبل تقديم الدعم للمؤسسات اللبنانية والمجتمع والجمعيات، وليس التدخل في شؤون المؤسسات الدستورية، والتي تحمل وحدها مسؤولية القرار والإتفاق على إجراء الإنتخابات الرئاسية ووضع حدّ للإنهيار المالي والإقتصادي، من خلال إقرار سلسلة إصلاحات مالية وإدارية وإقتصادية، تنقل الساحة اللبنانية من الوضع الحالي إلى واقع التعافي، ولو بخطوات بطيئة.
ومن الواضح، كما تضيف الأوساط الديبلوماسية نفسها، أن باريس تعمل على إعداد ورقة عمل خاصة بشأن الملف اللبناني، على أن يُبحث على طاولة اللقاء الرباعي الذي تستضيفه، والذي يضم ممثلين عن السعودية وقطر والولايات المتحدة، ولكن ليس من الثابت حتى اللحظة أن هناك موافقةً أميركية أو سعودية على خارطة الطريق هذه، وخصوصاً أن هذه الدول قد أكدت في أكثر من محطة، معارضتها للدخول في النقاش الرئاسي في لبنان، أو اقتراح مرشحين للرئاسة أو دعم مرشّح معين، أو حتى وضع «فيتو» على ترشيح شخصية معينة.
وتؤكد هذه الأوساط، على أن ما يجب أخذه في الإعتبار، هو الأولويات الغربية والعربية على الساحة الداخلية، والتي لا تنفصل عن المصالح الخاصة بكل طرف خارجي، والتي تجتمع كلها على أن بقاء الدولة اللبنانية ومنع انهيار مؤسساتها، يشكل عاملاً ضرورياً من أجل تأمين استمرارية الدور والمصالح الخارجية، على أن تكون المساعدات المقدمة مشروطة بسلسلة خطوات إصلاحية تطرقت إليها السفيرة غريو في كلمتها الأخيرة.