يُظهِر تقويمٌ لجلسة الانتخاب الرئاسية الثانية عشرة أمس أنها لا تشبه سابقاتها نتيجةَ المواجهة المباشرة التي شهدتها بين مرشحَين لفريقين متنافسين، هما: رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور. ما يَعكس بالنتيجة قدرة كل فريق على المواجهة على رغم من انّ فرنجية هو مرشح ثابت وباق ويَتمدّد، بينما أزعور هو مرشح قابل للاستبدال.
سجّلت أوساط متابعة للاستحقاق الرئاسي، من خلال نقاش تشريحي دقيق ومُتأن لوقائع جلسة الامس ونتائجها، الآتي:
اولاً – انّ نتائج الجلسة جاءت مناقِضة للنتائج التي كانت متوقعة لدى فريق التقاطع الذي اكدت المعلومات عشيّة انعقادها انّ مرشحه سيحوز على 65 صوتا وان فرنجية سيحوز على 44، وانه سيعلن أزعور رئيساً للجمهورية معتبراً ان الدورة الاولى قد حصلت في السابق وانّ هذه الدورة تعتبر بمثابة دورة ثانية. وقد جهّز نفسه للذهاب الى المجلس الدستوري لإثبات ذلك، فإذا بمرشحه ينال عدد اصوات لم يتجاوز الـ 59، في حين انّ فرنجية قد حاز على 51، ما اعتُبِر انتكاسة كبيرة لهذا الفريق، اذ انه من غير الصحيح انّ الرقم 59 هو بمثابة تقدّم على الفريق الآخر لأن تقاطعاً كبيراً يضمّ عدداً كبيراً من الكتل والنواب، في حين انّ عدد داعمي فرنجية من الكتل والنواب لا يتجاو الخمسة.
ثانياً – لا يجب إغفال حجم التحريض الاعلامي الكبير الذي رافقَ حملة أزعور بواسطة مؤسسات اعلامية مرئية ومكتوبة كبيرة، وقد رصدت لها أموال طائلة بهدف تحضير الرأي العام والقيام بضغط شعبي على النواب. في حين لم يُسجل لفرنجية أي تسويق في اي مؤسسة اعلامية.
ثالثاً – يَعمد الفريق المتقاطع الى الترويج انّ الفريق الداعم ترشيح فرنجية قد مارس الضغوط والتهديد، فهذا الكلام مردود كَون فرنجية ينطلق من كتلة صلبة قوامها نحو 50 نائباً. وبالتالي، لا يعقل ان يمارس التهديد على نفسه. وفي المقابل فقد ظهرَ للجميع، قبل يومين من جلسة الأمس، كيف تعرّض بعض النواب للتهديد على ايدي المتقاطعين، ويُسجّل هنا تصريح النائب ابراهيم منيمنة الذي وصف تأييد أزعور بأنه «تَجرّع السم»، واكد في احدى المحطات التلفزيونية تعرّضه لضغط كبير من جانب الفريق المتقاطع، وقد اكدت ذلك النائب حليمة القعقور علناً. كذلك سجّل ضغط كبير مارسه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على نوابه مُستعيناً بالرئيس ميشال عون الذي لم يهدأ هاتفه، حيث اتصل 7 مرات بالنائب اسعد ضرغام، كذلك سجل اجتماع ليلي طويل بوساطة احد الاشخاص بين باسيل والنائب ابراهيم كنعان، كذلك ايضاً تم تهديد هؤلاء النواب بتوجيه تظاهرات الى منازلهم وطردهم من «التيار» بتهمة «الخيانة».
كما انّ مجمل النواب «التغييريين» انتقلوا في ليلة ليلاء من موقف رَفض المنظومة الى تأييد أزعور بحجّةٍ واهية عبّرت عنها النائب بولا يعقوبيان، من انّ هناك فرصة لحصول «خَرق رئاسي». وكذلك تصريح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي انتقد فيه بعبارات عنيفة بعض النواب التغييريين. أفلا يُشكّل كل هذا ضغطاً وترهيباً للنواب؟
رابعاً – ان نتائج جلسة الامس تظهِر ان الرقم 51 الذي حاز عليه فرنجية يشكل نموذجاً وطنياً لتعدد التأييد الطائفي والمذهبي له، فقد أيّدَه النواب الشيعة وعدد كبير من النواب السنة وعدد مماثل من المسيحيين والعلويين، في حين ان الرقم 59 الذي حاز عليه ازعور جاء بمجمله ذا لونٍ طائفي واحد تقريباً، نتيجة التقاطع المسيحي ضد فرنجية لما يُمثّله من عصب مسيحي تاريخي.
خامساً- في عملية تشريح للاصوات تبيّن انّ فرنجية قد اقترع له عدد وازِن من النواب المسيحيين على رغم من الاصطفاف المسيحي الذي رَعَته بكركي وواكَبه كل الاعلام المسيحي، فإذا بالنتيجة تُفيد انّ ما من احد يستطيع احتكار المسيحيين. أضِف الى ذلك أنه اذا تم احتساب بقية الاصوات المسيحية التي لم تقترع لأزعور لَتبيّن ان هناك عدداً وازناً من النواب المسيحيين يغرّدون خارج سرب المتقاطعين.
سادساً – يتبين ان الموقف السني من جلسة الامس جاء حكيماً وحيادياً مُنتظراً لحظة الانخراط في التصويت في لحظة اقليمية معينة، وقد اكد هذا الجو أمران: الاول يتعلق بمدى الاحترام لمواقف فرنجية العروبية، والثاني يتعلق بمدى الانسجام مع التوافق الاقليمي المُستجِد خصوصاً بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلمية الايرانية.
سابعاً – انّ جميع الذين تقاطعوا على أزعور أعلنوا سابقاً بطريقة او بأخرى انّ تَقاطعهم مؤقت وخالٍ من اي برنامج، وهَدفه سحب ترشيح فرنجية والذهاب الى مرشح ثالث يتم التوافق عليه. وقد سجّل في هذا السياق بعض الامور التي يجب التوقف عندها، ومنها انّ بيان ازعور الانتخابي جاء خالياً من الرؤية حول ملفين اساسيين هما: الاستراتيجية الدفاعية والنازحين السوريين. كما انه لم يتضمّن أي برنامج اقتصادي وأفكارِ حلول للأزمتين المالية والاقتصادية. كما انّ بيان تكتل «لبنان القوي» جاء معلناً تأييد أزعور من دون نقاش في البرنامج وطريقة الانتخاب، على حَد تعبيره، ومن دون ان ننسى موقف «القوات اللبنانية» التاريخي الرافِض لأزعور، وكذلك التعبير الذي جاء على لسان عضو كتلة «تجدد» النائب أديب عبد المسيح من أنه مرشّح «المينيموم». كلّ هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على حجم الخِفّة في التعاطي مع ملف الانتخابات الرئاسية.
يبقى السؤال الذي يطرحه المتابعون للاستحقاق: الى متى سيبقى المتقاطعون متقاطعين على أزعور الذي لم يُفهم حتى الآن سبب قبوله هذا الدور كَمُزَنَّر إنتحاري، ولكنه قبِل هذه المهمة ضارِباً عرض الحائط أسس الترشح الرئاسي المبنية على الموضوعية والمعطيات الدقيقة.
قديماً كان يُقال «الولد لو بَارْ بيطلَع تِلتَينو لـ الخال»، امّا مع ازعور فالمثل هو كالآتي: «الولد لو بار ما بيطلَع تِلتو لـ الخال»، فالكلام عن الراحل الكبير جان عبيد هو كلام عن قامة وطنية وفاقية وحوارية كبرى تَحَسّر جميع اللبنانيين عليها، فإذا كان اسم ازعور قد ورد في صندوقة الاقتراع ولم يَرد اسم عبيد فهذا لا يعني انّ ابن الاخت قد سَبقَ خاله.