واجب اللياقة بعد جلسة امس اصدار المرشحيْن سليمان فرنجية وجهاد ازعور بيانيْ شكر للنواب الذين صوّتوا لكل منهما، دونما ان يخرج احدهما رئيساً. واجب كهذا درج قديماً بعد انتخاب الرئيس بأن يشكر مَن اقترع له وضده. الى موعد هذا اليوم كم مرة سيشكران عبثاً؟
خرج فريقا المرشحيْن المتنافسين امس، كلٌ بحسب زعمه، مبهوريْن بانتصار كل منهما في جلسة انتخاب الرئيس دونما انتخاب الرئيس. الا انهما كرّسا الانقسام والاصطفاف الطائفي الذي سيحول من الآن فصاعداً كما من قبل، في ظل التوازن الحالي القائم، دون الوصول في اي حين الى انهاء شغور رئاسة الجمهورية. في حصيلة اقتراع الدورة الاولى والوحيدة ان المعارضة المسيحية ووليد جنبلاط وحلفاءهما توقعا اكثر مما ناله جهاد ازعور، والثنائي الشيعي رجح لسليمان فرنجية اقل مما حصل عليه. بين المرشحيْن نشأت كتلة من 18 نائباً توزّعوا خيارات وهمية لتفادي التصويت لكليْ المرشحيْن.
لم يُفهَم بعد الجلسة، ولا أفهم الطرفان سواهما، قوة انتصار احدهما على الآخر في جلسة لم تعدُ كونها طبق الاصل عن الجلسات التي سبقتها. في معزل عن عدّ الاصوات وأهمية – او عدم اهمية – ما ناله كل من المرشحيْن، افضت الجلسة الى تأكيد ما كان مؤكداً قبل حصولها، وهو انهما لا يخوضان معركة مرشحيْن متنافسيْن او يصعب تفاهمهما على مرشح من بين الاثنين او خارجهما يتوافقان عليه، بل معركة كسر الآخر تماماً.
بضعة استنتاجات آلت اليها الجلسة الثانية عشرة، الاولى منذ 19 كانون الثاني:
اولها وأكثرها اقلاقاً، انقسام الطبقة السياسية – لا البرلمان وحده – بين كتلتين كبريين صارتا بسبب الاصرار على الشروط المسبقة بفرض مرشح كما بفرض اسقاط المرشح المنافس امام اصطفاف طائفي يذكر بحقبة 2005 – 2009. في فريق حزب الله وحركة امل وحلفائهما النواب الشيعة الـ27 جميعاً وشتات نواب مسيحيين وسنّة بلا أي نائب درزي. في الفريق المناوىء له غالبية مسيحية مرجحة مع صفر تمثيل شيعي واجماع درزي وبضعة نواب سنّة. يكفي الوصول الى هذين التكتلين للتأكد من ان لا انتخاب وشيكاً للرئيس دونما إحداث صدمة تعيد توزيع الاحجام والقوى والتمثيل. لن يسع اي طرف فرض مرشحه على الآخر، ولا في الوقت نفسه تصوّر نفسه يتخلى عن مرشحه بعد الوصول الى المفترق الحالي للانقسام.
ثانيها ان ليس للاصوات المدلاة في صندوق الاقتراع امس اي دلالة سوى في حصر تفسيرها وتبريرها بلحظة الجلسة نفسها، دونما ان يكون لها اي معنى للمستقبل. الجميع في احسن الاحوال، او بعضهم في اردئها، على علم بأن الجلسة الثانية عشرة ليست جلسة انتخاب الرئيس، بل جلسة عرض عضلات ارقام تنتهي بمغادرة القاعة ولا يعود لها اي دلالة بعدذاك سوى المفاخرة اللفظية: من حق الثنائي الشيعي القول ان مرشحه حاز اكثر مما توقّعه له، كما ان رفع نسبة الاصوات التي نالها حالت دون التوقعات المقابلة للفريق الآخر بحصول مرشحه على الاكثرية المطلقة. بدورها المعارضة المسيحية وحلفاؤها من حقها المباهاة بحصول مرشحها، للمرة الاولى في هذا الغمار المبتعد تماماً منذ عام 2008 عن المشهد الداخلي واي دور فيه، على كمّ من الاصوات لم يُعطَ اياها النائب ميشال معوض، والظهور تالياً بمظهر انها كسرت ظهر الفريق الآخر بفارق ثمانية اصوات.
اما الاهم من كليْ الفريقين هذين، فهم النواب الـ18 ذوي الاوراق الضائعة، الذين منعوا اياً من المرشحيْن المتنافسيْن من الحصول على 65 صوتاً. لعل الجانب المظلم في جلسة امس، الغامض عن حق، اكتشاف الجهة التي رعت كتلة الاوراق الضائعة للفصل بين الكتلتين الكبريين، والحؤول دون حسم انتخاب الرئيس سياسياً قبل ان يكون دستورياً. اما سر اسرار كتلة الاوراق الضائعة، فإن اياً من الثنائي الشيعي او المعارضة المسيحية لا يسعه الزعم الآن او في ما بعد بأنه قادر على استقطابها الى مرشحه لترجيح كفة الفوز. كتلة الاوراق الضائعة، بمكوناتها المعلومة والمجهولة، من حولها ستدور المرحلة المقبلة من التجاذب السياسي في الاستحقاق. في جلسة البارحة استنفد الثنائي الشيعي والمعارضة المسيحية كل ما لديهما لجمع اصوات لمرشحيْهما. هذا هو في الواقع الحد الحسابي لجلسة الاربعاء. اما الحد السياسي فيمثله النواب الـ18 الآخرون.
ثالثها اعاد التأكيد مرة جديدة لحزب الله كلفة خلافه مع التيار الوطني الحر وتداعياته. كذلك العكس. من غير الطبيعي التوهم في اي لحظة، مذ افترقا، باستغناء الحزب عن التيار او بذهاب الاخير الى التحالف مع حزب القوات اللبنانية وشركائه الحاليين. قبل فضّ تحالفهما من جراء خلافهما حول حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تراوحت اصوات نوابهما حينذاك، للورقة البيضاء، بين 63 صوتاً و47 صوتاً. ما ان افترقا في كانون الاول تدنى عدد الاوراق البيض الى 37. بدورها المعارضة المسيحية خلال ترشيحها النائب ميشال معوض لم يسعه تجاوز 44 صوتاً في احسن حالات الجلسات المنصرمة، الى ان تساوت اصواته والاوراق البيض في جلسة 8 كانون الأول (39 – 39). البارحة عوّلت المعارضة المسيحية على اصوات التيار الوطني الحر لرفع نقاط ازعور، قبل ان تكشف النائبة بولا يعقوبيان انها ورفاقها اعطوا ازعور تسعة اصوات اضافية. تعبير جديد عن طبيعة التحالفات الركيكة الموقتة والانتقالية بارتباطها بهدف واحد صريح يراد منه الحؤول دون انتخاب المرشح الضد، لا المجيء بالرئيس الاصلح والافضل.
رابعها ان من غير المؤكد ان رئيس المجلس نبيه برّي سيدعو الى جلسة جديدة تكرر ما رفضه لجلسة امس ان تكون، فكانت. ذلك يدل ايضاً على ان ثمة وقتاً طويلاً يقتضي ان يمر، مع اصرار الفريقين على مرشحيْهما، الى ان تحدث صدمة اقوى من عناد الفريقيْن وأحقادهما الشخصية والسياسية المتبادلة تعيد الاستحقاق الرئاسي الى صدارة الحدث. ستطول اجازة ازعور من وظيفته اكثر مما يتوقع وسيبقى مرشحاً معلقاً في الهواء، وسيعود فرنجية الى هواياته في زغرتا والاتكال على مَن يقود معركة ترشيحه. ذلك ما حدث تماماً بين تشرين الثاني 2007 وايار 2008 عندما طُرح العماد ميشال سليمان آنذاك مرشحاً توافقياً لم يسعه ان يصير رئيساً وأوشك ان يتقاعد في آب 2008، الا بعد صدمة خطيرة هي احداث 7 ايار.
لعل المعضلة المستعصية التي باتت تتخبط فيها انتخابات الرئاسة اللبنانية، مرة بعد اخرى منذ عام 2007، ان تنافس مرشحيْن اثنين يعطل الانتخاب كما هو حاصل اليوم، كما ان الوصول الى انتخاب رئيس توافقي يُدفَع ثمنه في الشارع وربما بين الطوائف والمذاهب.