نقيب محرري الصحافة
تؤكّد المعطيات المبنية على معلومات موثوقة أنّ جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ستُعقد في موعدها، وأنّ النصاب الدستوري سيتأمّن بما يزيد عن 86 نائباً، أي ثلثي أعضاء المجلس الذين لا تنعقد الجلسة من دونهم، لأنّ الدستور اللبناني حدّد صراحة أنّ جلسة إنتخاب الرئيس تُفتتح في حضور ثلثي النواب.
يقول متابعون إنّ رؤساء الكتل النيابية إضافة إلى النواب غير المنتظمين في كتل تلقّوا نصيحة من غير جهة خارجية وداخلية معنية بالاستحقاق بعدم التغيّب عنها. وإنّ المتغيب سيتحمّل التداعيات السلبية لقراره أمام الرأي العام اللبناني الذي ترى غالبيته وجوب الإسراع في بت الملف الرئاسي. وحتى الساعة، فإنّ الكتل الرئيسة مثل كتلة «الجمهورية القوية» وتكتل «لبنان القوي» وكتلة «التنمية والتحرير» وكتلة «اللقاء الديموقراطي»، أكّدت حضورها.
كما انّ كتلة «الوفاء للمقاومة» لن تغيب استناداً إلى ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في إحدى إطلالاته بأنّ الكتلة ستشارك في جلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني. وفي المعلومات أيضاً أنّ الرئيس نبيه بري يشدّد على وجوب البقاء في قاعة المجلس إذا تأمّن ثلثا الاصوات، ولم يفز أحد المرشحين من الدورة الأولى، وذلك لإصراره على انتخاب رئيس يُنهي الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى في التاريخ الذي حدّده في الدورة الثانية، ولو نال النصف زائداً واحداً، مع انّه لا يرغب في ذلك، لاعتقاده بأنّ رئيس الجمهورية اللبنانية في هذا الظرف بالذات يجب أن يكون محصّناً باوسع تأييد من الأفرقاء السياسيين الممثلين في المجلس النيابي.
ويبدو أنّ الوضع الراهن في لبنان بعد التطورات الكبيرة التي سبقت وواكبت وتلت سقوط النظام السوري ولجوء بشار الاسد إلى روسيا، يحتّم إنجاز الاستحقاق الرئاسي تداركاً لمزيد من الأخطار، خصوصاً انّ ثمة تحدّيات كبيرة تواجه لبنان ومنها:
– مواكبة إتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل ووقف انتهاكاتها المتمادية وإعادة الاعمار.
– الشروع في إعادة بناء مؤسسات الدولة المتهالكة والفاقدة القدرة على التصدّي لكمّ المشكلات التي تواجهها.
– ورشة الإصلاح المالي، ووضع سياسة مصرفية تؤدي إلى إعادة هيكلة هذا القطاع العاجز عن الإقلاع بصيغته الراهنة، والبتّ في مصير الودائع. كما وضع التشريعات اللازمة بالخروج من هذه الأزمة – المأساة.
– وضع آلية للتحرّر من الفساد بوضع قواعد الشفافية التي باتت معروفة، وفي متناول الدولة موضع التنفيذ.
ويرى مسؤول سابق، أنّ كل هذه النقاط على أهميتها لا يمكن أن تقلع من دون جيش قوي يعمل وفق سياسة دفاعية واضحة يلتزم بها الجميع لجهة حصرية السلاح بالدولة، وقضاء مستقل، وإدارة رشيدة ورشيقة. لأنّ قوة لبنان لم تعد في ضعفه، وأنّ الاستمرار في هذه المقولة يعني الانحدار السريع في اتجاه اضمحلال الدولة، لأنّ عداء إسرائيل لم ولن يتوقف بعد القتل والدمار الكبيرين اللذين أوقعهما في لبنان، وإضعاف «حزب الله»، كمقاومة. فالدولة العبرية بعد إجهازها على الجيش السوري وقدراته بنسبة 85 في المئة، والخسائر التي أنزلتها بلبنان، والرسائل إلى المنطقة التي بعثت بها مواربة، أو من خلال النموذج التدميري في كل من لبنان وسوريا، والإرباك الكبير الذي اوقعت فيه مصر، إنما أرادت أن تطوّق هذه البلدان المحاذية لحدودها بحزام من «الضفاف الغربية» التي يكون لجيشها دور هو أقرب إلى الشرطة او بالكاد، على غرار ما هو قائم في مناطق السلطة الفلسطينية.
من هذا المنطلق يستعجل الرئيس نبيه بري الاتصالات ويسعى إلى ضمان حضور العدد الأكبر من النواب في 9 كانون الثاني 2025، يؤيّده في ذلك سفراء الدول الخمس المعنية بالاستحقاق والتي يُطلق عليها اتفاقاً «اللجنة الخماسية». وعلى هذا الأساس يمكن تفسير التحرك العاجل للكتل النيابية، وولادة كتل جديدة ناتجة من اندماج «كتيلات» لتسويق مرشح او مجموعة مرشحين. وثمة حرص لدى القوى النيابية غير المسيحية على تقارب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» بالنسبة إلى الموضوع الرئاسي حصراً، لأنّ ذلك يسهّل عليها الذهاب إلى الاستحقاق من دون أي محاذير، أو اتهامات بأنّ هذا الطرف أو الفريق قد فرض على المكون المسيحي هذا المرشح او ذاك. وحتى الساعة لا مرشح معلناً بصورة رسمية من بين النواب سوى نائب كسروان الفتوح ـ جبيل المهندس نعمة أفرام، إلّا أنّ هناك لائحة طويلة بأسماء مرشحين جادين ولهم حيثيتهم في غير مجال. وإنّ البحث جارٍ في صورة مكثفة وأحياناً في سرّية تامة مباشرة او عبر وسطاء بين الكتل، من أجل بلورة اسم او اكثر للذهاب بهم إلى المجلس النيابي لكي يختار بالاقتراع واحداً منهم.
ولا شك في أنّ للعامل الخارجي دوره في توجيه البوصلة نحو اسم أو أكثر، إلّا أنّه يدع هامشاً محلياً للغربلة لئلا يُقال انّ الرئيس العتيد سيتمّ اسقاطه بـ»الباراشوت»، وهنا يتظهر دور رئيس المجلس النيابي لكي يكون منسوب اللبننة في هذا الاستحقاق متقدّما على ما ألفه لبنان سابقاً في معظم الاستحقاقات الرئاسية التي مرّت على وطن الارز منذ الاستقلال وما قبل وحتى اليوم. هناك لائحتان من المرشحين:
1- مرشحون وافدون من مؤسسات عسكرية وأمنية لديهم أوراق قوة تلعب لمصلحتهم، ولهم تأييد متفاوت في الدول المؤثرة في الاستحقاق. وباتت أسماؤهم معروفة.
2- مرشحون يتوزعون بين وزراء سابقين ونواب وشخصيات ديبلوماسية ومصرفية، لكل منهم حضوره، ومن يشدّ أزره.
إنّ اللعبة مفتوحة والاسماء تبرز وتغيب، تتقدّم وتتراجع، و»القبعة» العميقة القعر تتسع لأسماء جديدة تظهر في صورة مفاجئة. لكن المعلن حتى آلان وجود ترشيحين اكتسبا الصفة الجدّية، هما النائب والوزير السابق سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، قبل أن يطل النائب افرام بترشيحه امس، ولم يعلن احد من هذين المرشحين اللذين تواجها في جلسات سابقة، في صورة رسمية، بقاءهما أو انسحابهما. وتسير المشاورات والمناورات السياسية جنباً إلى جنب في عملية سبر أغوار الكتل النيابية في شأن الاستحقاق، والمعلومات متناقضة، وكذلك التسريبات، لأنّ العمل الفعلي لبلورة صورة المرشح الذي يفضّله بري، والنائب جبران باسيل، والنائب وليد جنبلاط، وآخرون، أن يكون نتاج توافق واسع، وليس أن يكون توافقياً بالضرورة ويُنتخب على هذا الأساس، وفي هذا إحترام لأمرين:
– الإرادة اللبنانية.
– أبعاد لصيغة الفرض بأساليب شتى، كما درج في كثير من الاستحقاقات السابقة.
12 جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ـ تخلّلتها حرب مدمّرة على لبنان، وزلزال سياسي ضرب سوريا وأسقط نظامها ـ من دون نتيجة. فهل تكون الجلسة الثالثة عشرة في 9 كانون الثاني 2025، هي الأخيرة في سلسلة الجلسات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وهل يتلبنن الرقم 13 وينتقل من رموزية «النحس» إلى مؤشر «الفأل»؟
في هذا البلد كل شيء يصح حتى الذي لا يصح… إنّه بلد الممكن والمستحيل معاً في غرابته.