يبدو أنّ جلسة الغد ستكون جلسة كسر «التابوهات» الإسمية، حيث صار جليّاً أنّ عدد الأوراق البيضاء سينخفض أكثر فأكثر، وبشكل تصاعدي، لا سيّما بعدما صرّح أكثر من نائب في «تكتّل لبنان القوي» عن نيّته في اختيار اسم ليحلّ محلّ الورقة البيضاء. ولكنّ التوجّه دائماً في عدم اختيار أي اسم من «التكتّل»، لأنّه حتّى اللحظة بالنسبة إلى أعضائه، لا مرشّح منه سوى رئيس «الحالة الباسيليّة»، أي النائب جبران باسيل نفسه. ذلك كلّه، لا يمكن التغاضي عن الانقسامات الفاضحة في الرأي داخل التكتّل والتي بدأت تتجلّى على شاشات التلفزة بعد الكلام الأخير لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب ألان عون، عن إمكانيّة وضع اسم محلّ الورقة البيضاء وعن أنّ الوزير باسيل لا يتفرّد بالقرار في «التيّار».
في المقابل، بقيّة الأفرقاء من حلفاء إيران في لبنان لا يبدو أنّهم قرّروا التخلّي عن الورقة البيضاء. وربّما ذلك قد يكون ناجماً عن التريّث حتّى تأتي وسائل الضغط التي يمارسها هذا الفريق بنتائج مثمرة. وليس آخرها زيارة السفير الإيراني مجتبى أماني لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط منذ يومين. وعلى ما يبدو أنّ المختارة ثابتة في خياراتها السياديّة، بغضّ النّظر عن كونها قد تبحث في المرحلة المقبلة عن المقبول رئاسيّاً، مع الحفاظ على الخطّ التوافقي سياديّاً؛ لا سيّما بعد مشاركة جنبلاط في منتدى الطائف الـ33 الذي نظّمته السفارة السعوديّة في الأونيسكو السبت الفائت.
وسط ذلك كلّه، لا يبدو أنّ «الثنائي الشيعي» في وارد تغيير استراتيجيّته «التعطيليّة» غير الجائزة. فبنهاية المطاف، من أهمّ واجبات النائب، غير التشريع ومراقبة عمل الحكومة، هي انتخاب رئيس الجمهوريّة. وهذا ما نصّ عليه الكتاب أي الدستور. فكلّ نائب يتلكّأ اليوم في القيام بواجبه الانتخابي وجبت محاكمته دستوريّاً، على قاعدة أنّه يخالف المهام التي أوكله إيّاها هذا الدّستور، الذي انتُخِبَ بحسبه ليمثّل الأمّة اللبنانيّة جمعاء.
كذلك، يبدو أنّ النوّاب الجدد يتّجهون هذه المرّة لتوحيد تصويتهم باسم مشترَك بينهم جميعاً بالتّعاون مع بعض المستقلّين؛ ما قد يكون ترجمة للقاء الـ27 الذي شهدته الصيفي، حيث أكّد المجتمعون في بيانهم الختامي على ضرورة تكثيف الجلسات لانتخاب رئيس الجمهوريّة، لأنّ ذلك وحده كفيل بإعادة الانتظام لعمل المؤسّسات. وهذا ما يؤشّر إلى مسألتين: إمّا أن يكون هذا اللقاء نجح في حشد المزيد من الأصوات للمرشّح ميشال معوّض، وإمّا سنشهد اسماً جديداً سيكون مدار بحثٍ جديدٍ للفريق المناهض «لسلطة إيران» في لبنان للمرحلة المقبلة انتخابيّاً.
ذلك كلّه، واللبنانيّون جميعهم اليوم باتوا تحت مقصلة الاقتصاد الذي يتهاوى كلّ يوم أكثر فأكثر، ولا سيّما بعد تطيير جلسة الكابيتال كونترول الاثنين الفائت، وإعادة المشروع إلى مقبرة اللجان المشترَكَة من جديد، والفشل في إقرار التشريعات الإصلاحيّة التي تشكّل المفتاح لاتّفاقيّة البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدّولي. فهذا الإتّفاق وحده كفيل بإعادة تفعيل المؤتمرات السابقة التي أقرّت لدعم الاقتصاد اللبناني كمؤتمر «سيدر»، وهذا كفيل أيضاً باسترجاع قسم كبير من الثقة الدوليّة والعربيّة ما قد يعيد المشاريع الاستثماريّة من الصناديق العربيّة، لا سيّما بعدما باتت احتياطات المصرف المركزي دون تسعة مليارات دولار.
أمام هذه الوقائع التي تعدّ مدمِّرَة لما تبقّى، لا يمكن إغفال التحذيرات التي أطلقتها كبيرة الديبلوماسيّين في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن باربارا ليف عن أنّ «لبنان سيضطرّ إلى تحمّل المزيد من الألم مع احتمال تفكّك كامل للدولة». عمليّاً، إنّ مسيرة استعراض الأسماء في جلسة الخميس أو أيّ جلسة أخرى قد تليها، ستكون مجرّد فولكلور استعراضي لن يصرَفَ في مكانٍ. والتركيز يجب أن يبقى في كيفيّة الحفاظ على الدّولة كدولة.
إن دلّ هذا كلّه على شيء فهذا يدلّ على أنّ «سلطة إيران» في لبنان ماضية في عمليّة تفكيك الدّولة. وهذا ما سنصل إليه حتماً إن استمرّ المسار الانتخابي بهذا الشكل. وهذا التفكيك الوشيك الذي يحذّرون اللبنانيّين منه سيمكّن كلّ جهة مسلّحة، لا سيّما مَن قاموا باستعراضات للقوى في الأيّام المنصرمَة، من افتعال فوضى أمنيّة. ولا يبدو أنّ منظمة «حزب الله» ستكون في الواجهة، بل هي ستقف خلف حلفائها الذين عملت على تدريبهم عسكريّاً؛ كما سُرِّبَ من بعض المصادر حديثاً.
وهذا بدوره سيضع الجيش اللبناني في الواجهة مجدّداً. ما قد يقود إلى مؤتمر برعاية إقليميّة، سينجح فيه الأقوى بفرض مرشّحه الرّئاسي. وما اعتاد اللبنانيّون على فشل المؤسّسة العسكريّة أو الأمنيّة إلا عندما تولّى قيادتها هذا الفريق بالذات. واللبنانيّون جميعهم أَلِبَّاءٌ، وسيكون لهم رئيس لن يُطرَحَ اسمهُ إلّا في جلسة وحيدة لانتخابه هو نفسهُ. وسيكون رجلَ المرحلة، والضابط المعاهدات والاتّفاقات والاستثمارات المقبلون عليها.