Site icon IMLebanon

سلّة مطالب وتحدّيات… تُفرج عن الرئاسة أم تقيّدها؟

 

تحاول قوى 8 آذار عبر تعطيل نصاب الجلسات الرئاسيّة في دورتها الثانية، إستنزاف إندفاعة القوى البرلمانية الأخرى الهادفة إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية عبر الأطر الديمقراطية التي يكفلها الدستور اللبناني، والسعي إلى إشتراط الإفراج عن الإستحقاق بفرض أجندتها أو تقييد الرئيس القادم بمروحة من التعهدات الواجب الإلتزام بها، قبل الدخول في بلورة الأسماء وإسقاط هذه الأجندة المسبقة على أيٍّ من «المسترئسين».

 

وإن كانت الفقرة (ج) من مقدمة الدستور تشير إلى أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، إلّا أنّ الولوج في تطبيق هذا النظام، وفق الدكتور محمد المجذوب، أظهر «أن طبيعة النظام الدستوري والسياسي في لبنان هو نظام جمهوري، نيابي، برلماني، ديمقراطي، ليبرالي، طائفي و بولييارشي». وترتكز هذه النظرية البولييارشيّة على وجود قوى عدة متوازنة في ما بينها. وهذا ما ينطبق اليوم على توازن القوى المتحكّمة بالإستحقاق الرئاسي داخل المجلس، والتي تدفع بالجماعات السياسيّة أو الطائفيّة التي أنتجتها الإنتخابات النيابيّة في شهر أيار المنصرم، إلى ضمان إعادة تكوين السلطات التي تُلائم مصالحها الذاتية، والتي تبدأ في إنتخاب رئيسٍ للجمهورية، مروراً بالتوافق المسبق على الحكومة وبرنامج عملها ولا تنتهي في تقاسم التعيينات الإدارية والقضائية والعسكرية.

 

وهذا ما بدا جلياً من خلال تأكيد أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله في «يوم الشهيد»، بعد رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنّه «لا خيار أمام اللبنانيين إلّا الحوار في ما بينهم من أجل إنجاز استحقاق الرئاسة». وأرفق نصرالله الدعوة إلى الحوار بمواصفات الرئيس الشجاع الذي تطمئن له «المقاومة»، قبل أن يُخرِج نائبه الشيخ نعيم قاسم موضوع سلاح «المقاومة» من سياق النقاش الرئاسي اليوم، للدعوة إلى الإتيان برئيسٍ قادرٍ على تقديم الحلول الإقتصادية ومكافحة الفساد، محيلاً النقاش في موضوع الإستراتيجيّة الدفاعية إلى رئيسٍ تنطبق عليه شروط إدارة الحوار في المرحلة المقبلة، أي من الذين لم يضعوا في أولوياتهم السابقة، «المطالبة بنزع سلاح المقاومة، وتجريد لبنان من قوته وكشفه أمام إسرائيل».

 

ومع تأكيد بعض المعارضين لـ»محور الممانعة»، على أنّ الإستراتيجيّة الدفاعية الأساسيّة الكفيلة بحماية لبنان تكمن في إستكمال تطبيق «إتفاق الطائف» وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرارات 1559، 1680، 1701، وهذا ما لا يتلاءم وأجندة «الحزب» الرئاسيّة، تتعمد بعض القوى السياسيّة تحييد العناوين الخلافيّة عن المداولات المرافقة لهذا الإستحقاق.

 

وترى أوساط متابعة أنّ البحث المتقدّم الذي تسعى قوى 8 آذار إلى تأمين التوافق حوله يكمن في تحديد مهام الرئيس القادم، أو كيفيّة مقاربته لبعض الملفات الشائكة والتي لا يمكن تجاهلها أو تعليق البتّ بها. وإلى جانب التوافق المسبق مع الكتل السنيّة الوازنة على تحديد هوية الرئيس المقبل للحكومة، وسعي البعض الآخر للإمساك بالوزارات التي يشغلها منذ عقود، وتحديداً وزارات الطاقة، والمالية، والداخلية… يتصدّر تحديد هوية حاكم المصرف المركزي الجديد إهتمام الجميع، لما لهذا المركز من إهتمام داخلي وخارجي في الكشف عمّا تكتنف هذه «المغارة» (مصرف لبنان) من أسرار.

 

وتحلّ في الدرجة الثانية تعيينات قادة الأجهزة الأمنية والجيش تحديداً، بعدما أصبح شاغل هذا الموقع «المرشح الصامت» الطبيعي لرئاسة الجمهورية، إلى جانب المهام الملقاة على عاتق هذه المؤسسات من حماية الإستقرار في الداخل ورسم الحدود بين السلاح الشرعي و»المقاومة».

 

أما في الدرجة الثالثة، فتحلّ السلطة القضائية، لا بل تتقدم أو توازي الملفات الأخرى، لإرتباطها بالدرجة الأولى في متابعة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت بعد عجز «حزب الله» عن «قبع» المحقق العدلي طارق البيطار، وتقييد العدالة بطلبات ردّ القضاة ومخاصمة الدولة. وهذا ما يتطلب تعيين رئيسٍ لمجلس القضاء الأعلى يعمد إلى إصدار تشكيلاتٍ قضائية تناسب القوى السياسيّة، «تقبع» من تريد وتبعد التحقيقات عن ملفات الفساد والهدر في المالية العامة، وتفتح ملفات آخرين.

 

وفي الدرجة الرابعة، أصبحت تبعات ملف النازحين كبيرة. وهذا ما يتطلب إعادة التواصل مع سوريا ومع المجتمع الدولي لإيجاد الحلول والتطمينات الكفيلة بمعالجة هذا الملف. وهذا يعني التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، وهو عنوان سيفرض نفسه على الجميع، أكان من بوابة النازحين أو من خلال الدفع بإتجاه ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سوريا وضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية بين البلدين.

 

وإلى جانب هذه العناوين التي تسعى القوى السياسية إلى التوافق المبدئيّ حولها للإفراج عن الرئيس العتيد للجمهورية، (أكان سليمان فرنجية أو مرشح جبران باسيل) تبرز أيضاً بعض الملفات الهامشيّة المرتبطة بالإقتصاد والإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة المصارف وإقرار الكابيتال كونترول وتأمين الكهرباء وإدارة «الثروة النفطية»…

 

إلى ذلك، أصبح التأكيد مجدداً على أنّ تطبيق «الطائف»، أي الدستور الذي أقسم جميع الرؤساء منذ 1990 على إحترامه من دون أن يتم ذلك، هو كلمة مرور لجميع المرشحين، مع تشديد المتابعين على أنّ المدخل لإعادة تنظيم العلاقات اللبنانية – الخليجية، تتطلب العودة إلى «روحيّة» هذا الإتفاق، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحصر قرار الحرب والسلم بيد مجلس الوزراء… بعيداً عن معادلة «جيش، شعب، مقاومة»، ما يضع جميع قوى المعارضة أمام إمتحانٍ جديد: التسوية مع مرشح «الحزب» وربط النزاع معه والمشاركة في السلطة، أو توحيد الصفوف والعودة مجدداً إلى الضغط عبر شتى الطرق السلمية، والتي قد تبدأ في الشارع ولا تنتهي قبل إعادة إنتظام عمل المؤسسات بعيداً عن هيمنة أيٍّ من قوى الأمر الواقع؟!