في 5 ايلول تتراجع حركة السيّاح الوافدين الى لبنان بشكل حاد لتتوقف بشكل نهائي في 11 أيلول، وفق ما يرويه رئيس مجلس ادارة طيران الشرق الاوسط محمد الحوت وهو ما يعني ان تدفّق العملة الصعبة الى شرايين الاقتصاد اللبناني المتهالك ستتوقف بعدما اشارت التقديرات الى دخول ما بين 3 الى 4 مليارات دولار اميركي الى الاسواق اللبنانية خلال اشهر الصيف ومصدرها السياح الوافدين، وهو ما يعني انّ سعر صرف الدولار سيصبح على المحك بعدما استمر بالارتفاع ولو بشكل بطيء خلال اشهر الصيف رغم الضَخ «السياحي» للدولار. وبالتالي، فإنّ ذلك سيمثّل اولى التحديات المعيشية الصعبة التي تنتظرنا في ايلول مرحلة الاعداد والتحضير لفواتير الشتاء ما بين تأمين التدفئة وأقساط المدارس والجامعات…
وفي ايلول تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وسط حالة من الغموض واجواء متشنّجة. تكفي الاشارة الى انه رغم المدة الزمنية الفاصلة عن بدء سريان المهلة الدستورية، فإنّ اي شخصية سياسية لم تعلن حتى الآن انها مرشحة او على الاقل معنية بالترشح لمعركة الرئاسة الاولى.
والتقاطع الزمني ما بين تحرّك سعر صرف الدولار وتصاعد حدة الازمات الحياتية والمعيشية مع ارتفاع مستوى التشنج السياسي بسبب الاستحقاق الرئاسي الى الحد الاقصى، كل ذلك يُنبئ بأنّ الشارع سيصبح مهيئاً للوقوع في خطر انفلات الفوضى، وربما المواجهات ولو من دون التخطيط المسبق لها.
وبات معلوماً انّ ابرز المطروحين للانتخابات الرئاسية هو سليمان فرنجية، الذي يكثّف من حركته لتأمين اكتمال حظوظه ولو بعيداً عن الاعلام في معظم الاحيان.
فعلى سبيل المثال يتردّد في الكواليس الضيقة انّ فرنجية التقى مؤخراً امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في لقاء بقيَ بعيداً عن الاعلام. وفي وقتٍ لم يؤكد اي من الطرفين حصول اللقاء، اشارت «تسريبات» الكواليس الى انّ فرنجية خرج مرتاحاً بعده. كذلك في اللقاء الذي كان قد جَمع فرنجية بالرئيس نبيه بري، والذي اعلن عنه في حينه، فإن بعض المعلومات اشارت الى ان معاون امين عام «حزب الله» حسين خليل قد شارك في الاجتماع من دون الاعلان عن ذلك، والذي خصّص لكيفية تذليل العقبات الموجودة امام ترشح فرنجية.
وهذا يعني بأن «حزب الله»، الذي لم يعلن بعد حتى الساعة دعمه الرسمي لفرنجية، إنما يعمل بشكل جاد ومدروس لتأمين نجاحه. لكنّ العقبتين الداخليتين الاساسيتين ما تزالان حتى الآن من دون حلول، أي بالنسبة الى موقفي وليد جنبلاط وجبران باسيل. لا بل إن ما حُكي عن استدارة جنبلاط انما اكدت معارضته لخيار فرنجية، وباسيل بدوره من الديمان جدّد معارضته الضمنية لهذا الخيار. لكن لا بد ان يكون فرنجية يعوّل على الوقت وتأثير بري على جنبلاط، وكذلك «حلول» «حزب الله» مع باسيل. وبانتظار نتائج الحركة «الصامتة» للحزب، فإن المخاطرة بالذهاب الى انعقاد جلسة مخصصة لانتخاب الرئيس غير مضمونة النتائج سلفاً، لا تبدو قابلة للحصول.
الرئيس نبيه بري كان قد اعلن عن شرطَين استباقيين لم يتحققا بعد وقد يكون من الصعب تحققهما، قبل الذهاب الى الدعوة لجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية. ومن خلفه «حزب الله» لن يغامر ابداً بالذهاب الى الجلسة وهو لا يمسك فعلياً بالعدد المطلوب لتأمين انتخاب فرنجية.
في المقابل، فإنّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وصل او يكاد الى الثلث النيابي الموافق على تعطيل النصاب في حال تأمّنت حظوظ فرنجية. وشرح جعجع بإسهاب للسفيرة الاميركية رؤيته وتصوره لدعوته بعدم تأمين نصاب الجلسة، والتي اكتفت بالاستماع وتسجيل ملاحظاتها.
وفي الوقت نفسه يندفع جعجع لتأمين حظوظ مرشح يواجه فرنجية حيث تتجه الخيارات باتجاه النائب ميشال معوض لأسباب عدة، منها انه ابن مدينة زغرتا معقل فرنجية.
واذا لم تطرأ مستجدات غير محسوبة او متوقعة، فإنّ جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن تعقد وستتعطّل إمّا من هذا الفريق او ذاك، ليصبح الذهاب الى الفراغ الرئاسي القدر المحتوم.
بالتأكيد سيترافق ذلك مع المزيد من التدهور على مستوى الخدمات المعيشية والحياتية لناحية ارتفاع الاسعار وتأمين الكهرباء والمواد الغذائية…
لكنّ خطورة المسألة لا تقف هنا فقط، ففي الكواليس ايضاً اقاويل كثيرة حول المدة المتبقية من ولاية الرئيس ميشال عون، وما عزّزها هو تكرار باسيل مرة جديدة حول عدم دستورية تسلّم حكومة تصريف الاعمال لإدارة البلد في حال الفراغ الرئاسي، وأرفقَ ذلك بتوجيه اصبع الاتهام للثنائي الشيعي بأنه يعمل للوصول الى الفراغ.
وفي الكواليس السياسية ثمة من يقترح التحضير لتحركات لأنصار التيار الوطني الحر للمطالبة ببقاء عون في قصر بعبدا حتى انتخاب رئيس جديد. ولكن هذه التحركات الشعبية على الارض لن تكون وحيدة، في ظل وجود اقتراحات في المقابل تعمل على النزول الى الشارع ايضاً للاحتفال بانتهاء عهد عون وتحميله المسؤولية عن تفكك مؤسسات الدولة وزوال الطبقة الوسطى وانهيار قطاعات اساسية كان يمتاز بها لبنان، مثل التربية والاستشفاء…
واذا أضفنا على الاحتقان السياسي والحملات السياسية المتبادلة والانهيارات المعيشية والحياتية عامل استخدام الشارع، فإنّ التكهن مسبقاً بالنتائج لا يبدو صعباً. ومنها انفلات الفوضى الى الحد الاقصى وارتفاع مخاطر سقوط الدماء خصوصاً انّ المناخ الاقليمي والدولي لا يُنبئ بالافضل، فالحكومة الاسرائيلية لا تبدو مستعجلة لإرسال جوابها حول الطرح اللبناني لتأمين استخراج الغاز من البحر لأنّ الانتخابات الاسرائيلية صعبة، وهي تشكل اولوية لها حتى لو اضطرّت لوقف استخراج الغاز من كاريش. فعلى سبيل المثال جرى إلغاء مؤتمر كان سيُعقد في اسرائيل في شهر ايلول بمناسبة مرور سنتين على «اتفاقيات ابراهيم» بسبب تزامنه مع بدء الحملات الانتخابية.
وهنالك رهان خارجي على قطع الطريق امام عودة نتنياهو الى رئاسة الحكومة رغم ان حزب الليكود هو الأقوى انتخابياً على الاطلاق.
لذلك، فإنّ الترجيحات تشير الى أن الاتفاق البحري قد يتأخر بضعة اشهر لحين انتهاء الانتخابات الاسرائيلية. وكذلك فإنّ عض الاصابع بين واشنطن وطهران مستمر وبوتيرة اقوى ما يَرفع مستوى الترقّب حيال الاتفاق النووي، رغم اقتراب موعد الانتخابات النصفية الاميركية. صحيح انّ الحزب الديموقراطي حَسّن اوضاعه الانتخابية، لكن المخاطرة هنا هي اقرب الى المقامرة.
والواقع الفرنسي مُربك، فمن جهة تبدو باريس غارقة في مسألة استعادة نفوذها في افريقيا، ومن جهة اخرى لم ينجح ماكرون في الحصول على مكاسب خلال زيارة ولي العهد السعودي الاخيرة الى باريس، ومن جهة ثالثة تزداد المشاكل الداخلية صعوبة. ولأن التوقيت لا يبدو ملائماً ستكتفي باريس بإرسال فريق استكشافي للوقوف على آراء القوى النيابية والسياسية حول الاستحقاق الرئاسي كما كانت تفعل سابقاً في مراحل مشابهة.
وسيكتفي الفريق بتدوين آراء القوى السياسية حول الاسماء المطروحة، خصوصا ازاء السؤال الاول الذي كان يُطرح دائماً: «من هو الذي لا توافقون على وصوله الى قصر بعبدا؟».
لأجل كل ذلك لا بد من الاستنتاج بأن ايلول سيكون موعد بدء الحماوة المتدرجة، على ان تبلغ ذروتها مع فترة الفراغ الرئاسي والخشية دائماً من تفلّت ضوابط الفوضى.
ولفت كلام رئيس المجلس السياسي لحزب الله هشام صفي الدين بالامس لدى قوله ان لبنان القديم انتهى وداعيا للتفاهم حول لبنان جديد وهو ما يجدد الاعتقاد بان حزب الله يراهن بان تشكل الفوضى المتصاعدة مدخلا ممتازا لنسف الطائف والذهاب الى المثالثة.