كلما تقدم الوقت توضح المشهد في مقلب قوى المعارضة، وظهر ان توافقها مسألة مستحيلة ومعقدة، ولا تتأثر لا بعامل الساعة الرئاسية، ولا بالضغوط القائمة لإنجاح التوافق حول مرشح رئاسي يواجه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الأمر الذي يضفي المزيد من الغموض على الملف الرئاسي المفتوح على كل الاحتمالات. مع العلم ان عدم توافق المعارضة يصب بالمؤكد في مصلحة فرنجية في حال بقيت قوى المعارضة على تشرذمها وانقساماتها.
في هذه الحال، فإن من يتوقع تفاهما رئاسيا بين “التيار الوطني الحر” والمعارضة، عليه ان لا يبالغ في توقعاته، فلا مؤشرات لاقتراب التفاهم بين مكونات المعارضة، في ظل انعدام الثقة في صفوفها، الأمر الذي سيؤدي حتما الى تطيير جلسة الإنتخاب المقبلة.
صدمتان متتاليتان اطاحتا بمرشح المعارضة، انسحاب وليد جنبلاط من دوره وقطعه الطريق أمام المرشحين الأقوياء للمعارضة بعد تسميته شبلي ملاط للرئاسة، وتراجع الرهانات على اتفاق الثنائي المسيحي في معراب وميرنا الشالوحي، هذه المؤشرات تؤدي حتما الى ترييح ظروف المعركة الرئاسية لمرشح الثنائي الشيعي، يضاف إليها عدة اعتبارات أخرى.
ففي قناعة قوى سياسية في ٨ آذار، ان ما حكي عن “فيتو” سعودي ضد فرنجية، ثبت عدم وجوده أصلا في تصريحات السفير وليد البخاري، كما ان مواصفات فرنجية تنطبق على المرحلة المقبلة، لانه يشكل نقطة التقاء وطنية، وهو شخصية مؤهلة لمواكبة التحولات في المنطقة، إلا ان الإشكالية الوحيدة لديه من نقطة البداية تتمثل فقط بالعقدة المسيحية ، فـ “التيار الوطني الحر” لم يعلن موافقته بعد على وصول فرنجية الى الرئاسة، ولم يبد أي مرونة بعد الى رئاسة الجمهورية، فيما تعارض “القوات” بشكل حاد ترشيح فرنجية. وعلى هذه الخلفية توترت علاقة “القوات” مع الكثير من الأفرقاء بمن فيهم عين التينة.
مع ذلك، فان بقاء معاندة جبران باسيل ومخاصمته فرنجية من دون تقديم الطرح البديل لا يمكن ان تكمل ، وفق مصادر سياسية، فباسيل يتحاشى الذهاب بعيدا في خيار مرشح مواجهة مع حزب الله، بخلاف “القوات” التي لم تتراجع، ويزداد خطابها تصعيدا وسط تمسكها الدائم بمواصفات الرئيس “السيادي”، والرافض لوصول رئيس من محور الممانعة مهما كانت الضغوط والظروف، مما يعني ان توحد المسيحيين رئاسيا عملية صعبة، مع تراجع الرهان على التوافق بين الثنائي المسيحي.
بالمقابل، يعتبر الثنائي الشيعي ان مرشحه يحمل صفة الرئيس التوافقي ذات الحيثية الوطنية والمسيحية، الذي يمكن ان يلتقي حوله المتنازعون سياسيا، ان قدمت القيادات المسيحيية تنازلات في هذا الصدد، فإرتياح المحور السياسي المؤيد لفرنجية الى مسار معركته الرئاسية، مرده الى اعتبارات مختلفة، بدءا من الموقف الفرنسي الداعم لفرنجية، وعدم وجود “فيتو” سعودي ضده، بعد ان توضح المشهد الرئاسي من خلال حركة السفير البخاري.
في هذه الصورة، يبقى الرهان على مفاجأة رئاسية باحتمال تبدل جنبلاطي في الوقت المناسب، او مرونة باسيلية لتأمين نصاب جلسة الإنتخاب المقبلة، خصوصا ان موقف النواب السنة في تكتل “الاعتدال” لن يشكل عائقا لتسهيل حضور الجلسة وانتخاب رئيس للجمهورية، ربطا بالقرار السعودي عدم التدخل في الشأن الرئاسي لمصلحة أي مرشح.
الأنظار متجهة على تغيير ومرونة مسيحية لإزالة التصلب المسيحي، حتى لا يتهم المسيحيون بالتعطيل، وعلى الأرجح كما تقول مصادر سياسية، ان ينهي باسيل المقاطعة المسيحية بتأمين النصاب، تاركا حرية التصويت وتفلت عدد من أصوات تكتله النيابي مقابل ضمانات معينة يحصل عليها بالمقابل، وبذلك يؤمن فرنجية العبور الآمن الى الرئاسة، خصوصا انه يسعى لكسب تأييد مسيحي هو بحاجة إليه، من اجل عبور الاستحقاق الرئاسي، والذهاب الى ولاية هادئة في بعبدا، فلا يكون عهده، ان وصل الى الرئاسة، مليئا بالمزيد من الانهيارات المالية والاقتصادية.
السؤال من يسبق ويفعلها، هل ينفذ جنبلاط انقلابا رئاسيا مفاجئا؟ ام يمرر باسيل تكويعة رئاسية مدوزنة مدفوعة بالضغوط والضمانات للعهد المقبل؟