يبين التحليل السريع للمواقف السياسية التي صدرت في الساعات الثماني والاربعين الماضية، ثابتتين اساسيتين، الاولى مرتبطة بالحكومة التي دخلت مرحلة «الموت السريري»، بحسب مصادر نيابية، نتيجة الشروط «التعجيزية» لرئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، المتكئ على حليفه «حزب الله» الذي بدا أقل تشددا وأكثر حرصا على مدّ الحكومة بالاوكسيجين لابقائها حيّة، من خلال سعيه الى تسهيل حل أزمة النفايات عبر العمل لايجاد مطمر بقاعا، نتيجة تمسك الحارة بالاستقرار الداخلي ورفضها لاي «خربطة» في ظل انشغال الحزب في الميدان السوري، ما يفسر احد اوجه «بلعه» لمسألة الترقيات وعضه على جرحها، أما الثانية، فهي استمرار الحوار الذي بات وفق المصادر، صمام أمان داخلي، في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة وتحديدا سوريا، وهو ما تحدث عنه السيد حسن نصرالله.
فوسط الترجيحات بان يعاود رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط العائد من الرياض، في انتظار اقلاعه نحو طهران محطته الثانية، بانتظار جوابها على مبرر وجودها في اليمن، تشغيل محركاته في اكثر من اتجاه، خاصة باتجاه الرابية التي يعتزم زيارتها، وفق مصادره، حاملا معه صيغة حل جديدة تعويضا عن سقوط تسوية «روكز»، والتسريبات عن بحث عوني باعادة احياء القانون الارثوذكسي كسلاح اساسي في المواجهة المنتظرة، بالتنسيق مع الرئيس سعد الحريري الذي يستعدّ «لخطوة سياسية ما لا بد منها»، ستكون قريبة بحسب مصادر في تيار المستقبل، وقد تترافق مع احتمال عودته الى بيروت، رغم أنّها غير محدّدة إلى اليوم لكنّها واردة في أيّ وقت، في ظل اجماع المواقف على ان البلاد ترقص على حافة هاوية ربط النزاع القائم مع المرحلة الاشد خطورة، ما قد يجعل الأمور تفلت من أيدي الجميع ولا سيما وسط عودة المخاوف من استهدافات أمنية خلال أيام عاشوراء او بعدها، رغم الاقرار المبدئي بان المنحى التصعيدي محكوم حتى الساعة بالقرار الدولي بمنْع انهيار الواقع السياسي والأمني ولو من زاوية الحاجة العالمية الى احتواء أزمة النازحين السوريين الذين يستقبل لبنان العدد الأكبر منهم، بحسب مصادر دبلوماسية غربية.
وبعيدا عن خطة النفايات العالقة عند «العقدة المقصودة» بانتظار ساعة الحل وفق توقيت المعطلين، تساءلت المصادر في المستقبل عن الغاية من الدرك الذي وصلت اليه البلاد، معتبرة انه اذا لم يكن ذلك يعني التحضير لمؤتمر تأسيسي فماذا يعني، كاشفة عن ان المراوحة، حيث لا الانفجار الكبير والانفراج الكبير متوقعان، في الحلقة المفرغة أو الفارغة تارة أمنياً وطوراً سياسياً، بانتظار «تبلور صورة المنطقة» الأمر الذي سيطول اقله حتى العام المقبل، ما يفسر رفض الامين العام لحزب الله، جازما بان محور الممانعة لن يقبل الا رئيساً من صفوف الثامن من آذار.
من جهتها نقلت اوساط مقربة من السراي، ان رئيس الحكومة تمام سلام «المعتصم بحبل الصمت والصبر»، ينوي الاستمرار بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد دورياً شرط استمرار رئيس مجلس النواب نبيه بري بتأمين الغطاء السياسي والميثاقي للحكومة، لافتة إلى أنّ موعد الجلسة المقبلة رهن بجواب حزب الله حول ملف النفايات من جهة وعودة رئيس المجلس من جهة ثانية، معتبرة ان البلاد تمر في مرحلة من الانتظار القاتل، لما سيرشح عن زيارة النائب وليد جنبلاط الى السعودية، وما ستسفر عنه دعوات المملكة المتكررة من حثّ القيادات اللبنانية على إجراء تقارب حقيقي بينها والاتفاق على خارطة طريق، لحل المعضلات القائمة، وما بينهما من تداعيات لدخول العميد شامل روكز المعترك السياسي، لجهة العلاقة داخل التيار وبينه وبين رئيسه، وسط الطابع السياسي الذي ارتدته وقفة الوفاء له الخميس، والحشد والهتافات التي ترددت، والإطلالة المنتظرة للأمين العام لحزب الله في العاشرة من قبل ظهر الأحد، عبر الشاشة العملاقة من ملعب مدرسة اللويزة في إقليم التفاح لمناسبة أسبوع القائد العسكري حسن محمّد حسين الحاج، والتي ستتضمن تفصيل ما تداوله في كلمته خلال إحياء الليلة الأولى من ليالي عاشوراء.
في الخلاصة لا احد «يسترجي» على نعي الحكومة ولا احد يجرؤ على القول إنها حية، هي المتأرجحة بين الموت السريري والفالج النصفي رغم تمسك الكل بها. تردد مرده الى ان احدا في الداخل لا يجرؤ على الاعلان عن وفاة المؤسسة الثالثة والاخيرة في الدولة بعد اغتيال رئاسة الجمهورية وشل مجلس النواب، والضغوط الدولية المتصاعدة لابقاء لبنان في منأى عن نيران المنطقة، والتي يمكن التقاط اشاراته في خطاب طرفين متناقضين، السعودية التي اكد سفيرها في لبنان هذا التوجه التبريدي الذي سيترجم عبر مبادرات تسعى الى تنفيس الاورام الناجمة عن الاشتباك الحاد بين العماد عون وتيار المستقبل واللقاء التشاوري، والايراني الذي عبر عنه الامين العام لحزب الله في اصراره على بقاء الحكومة وعلى الحوار.