لا شكّ في أنّ معارضة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لـ”اتفاق الطائف”، والتي استمرّت بشراسة الى تاريخٍ ليس ببعيد، تُشكّل قاعدة انطلاق للاتهامات التي تُطاوله منذ ترؤسه سدّة الرئاسة، بأنّه يحوّل النظام من برلماني الى رئاسي. إنّ اتهامات عون بالإعتداء على صلاحيات رئاسة الحكومة أو بالإلتفاف على “اتفاق الطائف” هي “سياسية بمعظمها واستغلالية ولا تستند الى أيّ ممارسة واحدة قانونية ودستورية”، بحسب ما تؤكّد مصادر بعبدا.
في 2 أيلول 2019، عُقد اجتماع اقتصادي – وطني في القصر الجمهوري في بعبدا، بدعوة من عون، شارك فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية. آنذاك، لم تعتبر كتلة “المستقبل” النيابية أنّ هذا الإجتماع يأتي في سياق “ممارسات وفتاوى سياسية وقانونية تتجاوز حدود الدستور لتكرّس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديموقراطي البرلماني”، مثلما قالت في البيان الذي أعلنت فيه اعتذارها عن عدم المشاركة في الاجتماع الذي سيعقد غداً في القصر الجمهوري بدعوة من عون، والمخصّص لعرض برنامج الحكومة الإقتصادي.
هذا البيان استدعى ردوداً وردوداً مضادة بين المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية و”المستقبل”. كذلك، أشعلَ جدلاً قديماً ـ جديداً سياسياً ودستورياً، حول صلاحيات رئيس الجمهورية والتعديلات التي أدخلها “اتفاق الطائف” على الدستور، فضلاً عن التنافس بين الرئاسات و”السهر” على صلاحيات كلّ منها، الذي يُعتبر “سهراً” على موقع الطائفة.
وبمعزل عن الاعتبارات السياسية والطائفية والحزبية والشخصية، هل تُعتبر دعوة عون رؤساء الكتل النيابية الى اجتماعٍ في القصر الجمهوري في بعبدا، لعرض الخطة المالية ـ الإقتصادية التي أقرّتها حكومة الرئيس حسان دياب خروجاً عن النظام البرلماني وخرقاً لـ”اتفاق الطائف”؟
يقول النائب والوزير السابق بطرس حرب لـ”الجمهورية”: “لا يوجد أيّ نص أو مادة في الدستور يمنعان رئيس الجمهورية من الدعوة الى أيّ اجتماع أو لقاء في القصر الجمهوري، وإنّ هذه الدعوة هي ممارسة لصلاحية طبيعية، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية هو حامي الدستور”. ويؤكد أنّ دعوة عون هذه “لا تشوبها أيّ مخالفة دستورية، ولا تحمل أيّ اختصار لدور مجلس النواب أو تجاوز لصلاحيات مجلس الوزراء”.
أمّا كيف استخدم عون هذا الحق، وبأيّ وسيلة، وفي أيّ ظرف، ولأيّ هدف؟ فهذه الأسئلة تخضع للنقاش السياسي، بحسب حرب، الذي يشدّد على أنّ “حق رئيس الجمهورية هذا واضح وطبيعي دستورياً، يمارسه حين يريد”.
من جهتها، توضح مصادر بعبدا أنّ “خطة الحكومة تُنفّذ عبر طريقين: مراسيم عادية تصدر عن مجلس الوزراء، وقوانين يقرّها مجلس النواب. وبالتالي، إنّ مجلس النواب يمكنه إدخال تعديلات على هذه الخطة، فهو سيّد نفسه. وإنّ الحكومة وضعت بين أيدي الناس والمعنيين والمجتمع الدولي والدائنين وصندوق النقد الدولي خطة صالحة للتنفيذ، حتى لو أنّها قابلة للتعديل، وذلك لتكون قاعدة انطلاق أيّ عمل لمعالجة الوضع المالي ـ الإقتصادي”. وتشير الى “أنّها ليست المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماع كالذي دعا إليه عون، ففي المحطات المفصلية يتمّ التمهيد للمناقشة في مجلس النواب. وهذا الأمر لا يعني مصادرة قرار مجلس النواب أو فرض شيء عليه، بل الهدف من الاجتماع عرض الخطة التي سيشرحها وزير المال والخبراء أمام رؤساء الكتل النيابية والإجابة عن أسئلتهم”.
وتستغرب مصادر القصر الجمهوري القول إنّ هذا الإجتماع غير دستوري، فيما أنّ عون لم يدعُ رؤساء الكتل النيابية لكي يصوّتوا على الخطة، بل لكي يستمعوا الى شرحٍ مفصّل عنها، ولأنّ “الرئيس يهمّه التشاور مع جميع المعنيين والوقوف عند آرائهم وملاحظاتهم، وهم رؤساء الكتل النيابية التي ستغيّر أو تعدّل أيّ بند أو نص في هذه الخطة”. وتسأل: “هل يُعقل أن يُتّهم رئيس الجمهورية بأنه يحوّل النظام رئاسياً، لأنّه دعا القيادات ليتشاور معها؟ وأين ممارسات النظام الرئاسي في هذه الدعوة؟”.
وفي إطار هذا النوع من الاتهامات التي تُطاول عون، تسأل المصادر نفسها: “هل أصدر الرئيس مرسوماً لم يوقّعه رئيس الحكومة؟ أين خالف الدستور؟” مشيرةً الى أنّ “النظام لو كان رئاسياً لكان عون شكّل الحكومات فوراً من دون الانتظار لأسابيع أو لأشهر”. وتقول: “ليشيروا الى تصرّف عملي قانوني ودستوري واحد لعون يعكس خروجاً عن النظام”.
الى ذلك، يعتبر البعض أن لا قيمة أو جدوى من هذا الإجتماع الذي يهدف الى إطلاع رؤساء الكتل النيابية على بنود الخطة، التي اطّلع عليها الجميع عبر الصحف. ويرى أنّه يجب أن يكون سابقاً لإقرار الخطة وليس لاحقاً لتبنّي الحكومة لها.
وفي هذا الإطار، يقول حرب إنّ “أخذ الرأي شيء، وإطلاع القوى السياسية على قرار مُتخذ شيء آخر”. ويرى أنّه “كان الأجدى بالرئيس عون، إذا أراد استشارة القوى السياسية والكتل النيابية، أن يدعو الى هذا الإجتماع قبل موافقة الحكومة على الخطة”. ويوضح أنّ “استماع الرئيس الى هؤلاء، لا يعني أنّه مُلزم الأخذ بآرائهم، بل يُمكنه تبادل الآراء معهم فقط، حتى لو لم يعتمد أيّاً منها”، معتبراً أنّ “هذا الأمر كان أجدى من دعوة رؤساء الكتل النيابية الى اجتماع لإطلاعهم على خطة سبق أن أُقرّت، خصوصاً أنّ شرح الخطة لا يستدعي اجتماعاً، إذ يُمكن إصدار بيان تفصيلي يشرح ما تتضمّنه، كذلك يُمكن لرؤساء الكتل النيابية أن يستعينوا بخبراء لكي يشرحوا لهم هذه الخطة”.
لكنّ مصادر بعبدا ترى أنّ عون “لو دعا رؤساء الكتل النيابية الى اجتماع قبل إقرار الخطة، لكانوا سألوا أين الخطة وماذا سنناقش في الإجتماع. كذلك، كانت هذه الخطة ضاعت بين النظريات المطروحة من دون التوصّل الى أيّ نتيجة”.
لا يؤيّد حرب وجهة النظر هذه، ويرى أنّه “كان يجب الدعوة إلى اجتماع، يُعرض فيه مشروع الخطة، ويُسأل المدعوون عن ملاحظاتهم. الأمر الذي كان قد أدّى الى تهيئة الجو، وحال دون الاصطدام بتأمين التوافق أو التصويت اللازم لإقرار القوانين التي تتطلبها بنود الخطة”. ويشدّد على أنّ محاولة عون توفير تأييد لخطة الحكومة، “محاولة طبيعية، إلّا أنّ توفير الإجماع لا يحصل، من خلال الطلب من الآخرين أن يصفّقوا لقرار سبق أن اتُخذ، بل يجب البحث المسبق حول القرار الذي يجب أن يُتخذ والتفاهم على خطوط الخطة، ثم التصفيق بعضنا لبعض عند إقرارها”.