لم يمرّ كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن الإستراتيجيّة الدفاعية في بيت الدين خلال دردشته مع الإعلاميين مرور الكرام، إذ إنّه أحدث ردود فعل كثيرة لأن هذا الموضوع يُثير جدليّة كبيرة في الحياة السياسيّة اللبنانية.
يحاول رئيس الجمهورية وخلال تواجده في قصر بيت الدين ترتيب الأجواء السياسيّة، خصوصاً بعد ما مرّت به البلاد من أحداث في الجبل، وهو يواصل لقاءاته السياسيّة مع معظم الأطراف، والتقى بالأمس رئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” النائب طلال إرسلان وكان توافق على تعزيز المصالحة والعمل وفق مقتضيات الوفاق الوطني.
وينتظر عون عودة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من السفر السبت ليعقد لقاء معه، ويستكمل محادثاته مع الأطراف الفاعلة في الجبل.
وفي الأثناء، خرق حديث عون عن الإستراتيجيّة الدفاعيّة الأجواء السياسيّة، إذ إنه قوبل بموجة استغراب واستنكار من قِبل فريق قوى “14 آذار” الذي يرى أن تفلّت سلاح “حزب الله” ووجوده من دون ضوابط من أهم مشكلات لبنان، وهذا السلاح هو من شنّ “غزوة” 7 أيار 2008، ويُدخل لبنان في سياسة المحاور، ويورّط البلاد في الحرب السوريّة، ويقاتل بالإضافة إلى سوريا في اليمن والعراق وأينما تدعو حاجة إيران، ولذلك فإن قراره خاضع للسلطة الإيرانية وليس للسلطة اللبنانيّة، ولذلك لا بدّ من حصر السلاح بيد الجيش والأجهزة الشرعيّة.
لكن غداة دردشة عون مع الصحافيين في بيت الدين حول تغيّر “كل مقاييس الإستراتيجية الدفاعية”، أوضحت مصادر القصر الجمهري لـ”نداء الوطن” أن البعض يحاول تحوير كلام الرئيس عون والقول إنه لا يريد استراتيجيّة دفاعية، بينما هو جلّ ما قاله إن الأوضاع الأمنية قد تغيّرت، ليس في لبنان وحده بل في المنطقة، وما كان يصحّ قبل سنة 2010 لم يعد يصحّ بعدها.
وتضيف المصادر: “منذ العام 2010 والمنطقة تشهد تحوّلات كبرى، وهناك أنظمة عربيّة قد سقطت، وباتت هناك معطيات أمنية جديدة، واندلعت الحرب السوريّة العام 2011، من ثمّ اجتاح تنظيم “داعش” والمنظمات الإرهابية العراق ودولاً أخرى، ولا تزال النار السوريّة مشتعلة، ودخلت دول عدّة إلى المنطقة، فالروسي والإيراني والتركي والأميركي باتوا متواجدين في منطقتنا عسكرياً، والحدود بين الدول أزيلت في مرحلة من المراحل، لذلك يدعو رئيس الجمهوريّة لتغيير النظرة إلى طبيعة الإستراتيجيّة الدفاعيّة، ففي السابق كان العدو الإسرائيلي متربصاً بنا، أما الآن فهناك عدوّ إضافي وهو الإرهاب الذي لا يرحم أحداً”.
وترى المصادر أن “أولويات البحث قد تغيّرت، فالرئيس عون يعرف تركيبة المنطقة العسكريّة وما حلّ بها، كذلك، فإن هناك تبدّلاً للجغرافيا السياسيّة، وحديثاً عن تسويات جديدة لم تُعرف خطوطها بعد، ومن هذا المنطلق على لبنان أن يأخذ كل هذه الأمور في الإعتبار”.
وتُعتبر رحلة البحث عن الإستراتيجيّة الدفاعيّة مضنية للغاية، فهي بدأت منذ العام 2006 أثناء طاولة الحوار التي هندسها الرئيس نبيه برّي في مجلس النواب ولم تصل في تطبيقاتها إلى أي نتيجة تُذكر، من ثمّ استمرّت العام 2008 بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة، وأيضاً لم يصل أطراف الحوار إلى أي نتيجة تُذكر، فبقي كل فريق متمسّكاً بموقفه ورأيه. وحتى الإتفاق على “إعلان بعبدا” والنأي بالنفس ذهب أدراج الرياح، حيث شارك “حزب الله” بعد ذلك الإتفاق في الحرب السوريّة، في حين كانت مشاركة بعض الجماعات السنيّة التي وقفت إلى جانب المعارضة السوريّة فرديّة وليست منظمة مثل مشاركة “حزب الله” في القتال إلى جانب النظام السوري وإيران.
ويسأل الجميع لماذا لا يُنظّم العماد عون طاولة حوار للبحث في هذا الملف الشائك ويبتّ به. وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر القصر أن عون لن يدعو إلى جلسة للبحث في هذا الملفّ في القريب العاجل، لأنّ هناك عدداً كبيراً من الملفات العالقة التي تستدعي المعالجة قبل التفرّغ لدرس الإستراتيجيّة الدفاعية.
وفي السياق، صدر مساء أمس بيان عن المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية أوضح أن ما قاله الرئيس حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية “كان توصيفاً للواقع الذي استجد بعد عشر سنوات على طرح هذا الموضوع”. وأكد أن “رئيس الجمهورية ملتزم المواقف التي سبق أن أعلنها من موضوع الاستراتيجية الدفاعية وضرورة البحث فيها في مناخ توافقي”. ودعا إلى “عدم تفسير مواقفه على نحو خاطئ أو متعمد يمكن أن يثير الالتباس”.
إلى ذلك، تعمل دوائر القصر بالإتفاق مع رئيس الحكومة على تكثيف الإجتماعات الوزارية، وستعقد جلسة غداً الخميس، تأمل الرئاسة منها أن تكون فاتحة خير لاجتماعات مكثّفة ومنتجة تُعيد البلاد إلى السكة الصحيحة، وتُنقذ الوضع الإقتصادي لينصرف بعدها الجميع إلى البت بالملفات العالقة… ومن ضمنها الاستراتيجيّة الدفاعيّة.