عاد الاستحقاق الرئاسي الى الصدارة، حراك فرنسي متعدد الاتجاهات، واهتمام بريطاني مستجد، ومتابعة أميركية، بمواكبة فاتيكانية، في موازاة احتضان سعودي للقاءات والاتصالات التحضيرية، لحوارات بين الحلفاء حيناً، والأضداد حيناً آخر.
واقع الأمر، أن لا جديد داخلياً، قاد الأحداث في هذا الاتجاه المأمول، بل الحاصل أن الداخل اللبناني يتكيف تقليدياً مع تطورات الخارج، فالماء تأخذ شكل الإناء الذي هي فيه، والإناء الاقليمي الذي نحن جزء منه، يتأثر بالأجواء الدولية، المحيطة به.
وقد يصحّ بنا المثل القائل مصائب قوم عند قوم فوائد، فالهبوط العالمي لأسعار النفط والغاز أمسك بالروبل الروسي من عنقه، ويكاد أن يطرح العملة الايرانية أرضاً، وكما كان يقول أحدد الفلاسفة: الجند عضد الملك، والمال عضد الجند… بمعنى انه عندما يجف المال تخف الهمّة…
ومن هنا جاءت اللهجة الروسية والايرانية المتغيرة على مختلف المستويات الاقليمية والدولية، وضمنها المستوى اللبناني بالطبع، ففي القرن الحادي والعشرين يقول وزير الخارجية الأميركية جون كيري، تحول كل مكان مهما كان بعيداً الى جوار.
ويقول المتابعون إن الاشارات الأولية، أتت من طهران، وعبر الموفد الفرنسي جان فرانسوا جيرو، ثم الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف على رغم الاهتمام الملحوظ للأخير، بالأوضاع في سوريا، وبالمساعي الروسية لعقد موسكو ١ بين النظام والمعارضة السورية استطراداً لجنيف ١ و٢، أو بمقابلها، لكن جيرو كان الأوسع جولة في المنطقة، وصاحب المبادرة الى طرق الباب الايراني، هو من نقل الى مستقبليه في بيروت، ملامح الضوء الايراني الأصفر والمائل نحو الاخضرار، على طريق الرئاسة اللبنانية، ما فهم منه بعض هؤلاء تجاوزاً ايرانياً للعماد ميشال عون، فاندفعوا على خط الأمل، الذي رسمه الموفد الفرنسي، لالتقاط الفرصة المتاحة…
من هنا ينتظر أن يشهد مسرح الرئاسة اللبنانية، جملة حوارات على ايقاع التسويات التي تجتاح العالم، وضمنه المنطقة، بدءاً من التسوية الأميركية – الكوبية، التي شكلت آخر حلقات الحرب الباردة بين الشرق والغرب في الحقبة السوفياتية. حوار القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وحوار المستقبل – حزب الله، وصولاً الى تركيبة سياسية قادرة على صيانة الاستقرار اللبناني، وسط مخاض التسويات المعقدة في المنطقة.
معظم الأوساط السياسية باتت ميّالة الي التفاؤل، برغم أن بصيص نور الأمل ما زال ضئيلاً، استناداً منها الى التحالف الدولي ضد الارهاب، أو ما تعتبره ارهاباً، والذي يقابله جهد ظاهر باتجاه الحلول الدبلوماسية أو الناعمة، التي أنهت بالأمس عداوة عمرها نصف قرن بين الولايات المتحدة وجارتها كوبا، وهدمت قبلها جدار برلين وبعدها النظام السوفياتي، وقبله نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا…
لكن هذه الأوساط تستبعد التماس هلال الرئاسة قبل آذار، وتتوقع أن تكون المرحللة الفاصلة، مرحلة تجاذب وشد حبال رئاسية، حيث ستظهر أسماء وتختفي أسماء، وعلى أمل أن يكون البقاء للأكثر مرونة وتوافقية.
وتتوقع الأوساط، المزيد من المهاترات ونبش الخطايا والملفات، في محاولة من كل فريق اسقاط المرشح المنافس قبل الوصول الى حلبة المجلس، والا فمن سبق شم الحبق…
ويبقى المطلوب رئيس حكيم، مدرك، وواسع الإلمام بالواقع اللبناني، وحواري توافقي مؤمن بالثوابت اللبنانية، التي أرساها اتفاق الطائف وما بعده من اتفاقات حوارية وتفاهمات ملزمة بالابتعاد عن محاور المنطقة وسلبياتها.
والحكمة مستودع الأدب وغذاء العقل، والسبيل الى الحياة الناجحة.
ورب قائل إن مثل هذه المواصفات أقرب الى الأحجية، في بلد الأربعين سنة ضرب وحرب… والجواب عند أحد الحكماء، وخلاصته انه حتى لو كانت المياه عكرة، فإنها تستطيع اخماد الحريق…
وهناك حريق مطلوب اخماده…