Site icon IMLebanon

الشغور الرئاسي «موديل 2022»… مُختلف

 

ما حذّرنا منه سابقاً وكان كابوساً، أصبح الحقيقة المُرّة التي نعيشها اليوم، وهو الفراغ الرئاسي الجديد. كان واضحاً ومرتقباً أنّ الكل كان متفقاً على عدم الإتفاق، وكل الأفرقاء كانوا قد هيأوا محرّكاتهم وعدّتهم وخطّتهم واستراتيجياتهم، للفراغ الرئاسي «موديل 2022» المتوقع، والذي يختلف عن الفراغ الرئاسي السابق «موديل 2014-2016».

ما لم ينتبه إليه السياسيون بدقّة وواقعية وموضوعية، حتى لو لم يتغيّروا، ولن تتبدّل أساليبهم، واستراتيجياتهم، وطريقة الضغوط على بعضهم البعض القديمة، وشدّ البلاد والشعب نحو المجهول، هو أن العالم قد تغيّر، وأيضاً الإقتصادات، وطريقة الإدارة والأولويات والقرارات والإتفاقات والتحالفات.

 

علينا أن نُدرك أن عالم اليوم سنة 2022، ليس هو ذاته ما بين عامي 2014 و2016. وقد تغيّر أكثر من 180% وتحولّ نهائياً، بعد جائحة «كوفيد – 19»، والتي فاجأت العالم، حيث لم ينتظرها أحد، وأوقفت عقارب الساعة وكل إقتصادات العالم. فتغيّرت طريقة التواصل، وكل سلاسل التوريد، وطريقة إدارة البلاد، وسائر الخطط والإستراتيجيات الدولية.

 

أما في لبنان، يُضاف إلى هذا التغيّر الهائل والجامح، أنه يُواجه أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، وفيما لم يُبلسم جروحاته، وُجّهت إليه ضربة ثالث أكبر إنفجار في تاريخ العالم، في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وكل التدمير الناتج بالطريقة المباشرة وغير المباشرة. فلبنان واللبنانيون أصابهم التغيير. أمّا حكامه، فلا يزالون متشبّثين بإستراتيجياتهم المهترئة والمنتهية صلاحياتها، ويطمرون رؤوسهم بالتراب كالنعامة في هذا العالم الجديد.

 

في موازاة ما بين أعوام 2014 و2022، نرى بوضوح أن كل العناصر والعوامل الإقتصادية والأرقام قد تغيّرت نهائياً، فالنمو الذي كان في حينه يتخطى الـ 3%، أصبح اليوم 0% أو حتى سلبياً. أما الناتج المحلي الذي كان يبلغ نحو 51 مليار دولار، أصبح اليوم لا يتعدّى الـ 22 مليار دولار.

 

كما نُذكّر أيضاً أن ما بين سنوات 2014 و2016، كان اللبنانيون يملكون القدرة الشرائية، وكانت الودائع تبلغ نحو 180 مليار دولار بين أيديهم، يتصرّفون بها للإستثمار وأيضاً للعيش الكريم وللصمود في وجه كل الأزمات المتتالية.

 

أما اليوم، فالقدرة الشرائية إنعدمت، والودائع قد تبخّرت، وكل أسلحة الصمود قد دُمّرت. بمعنى آخر، إن اللبنانيين اليوم غير اللبنانيين في سنوات 2014 – 2016، حيث خسروا أكثر من 85 % من مدّخراتهم، وأموالهم، ومداخيلهم. أما كلفة عيشهم فقد إزدادت نحو 20 ضعفاً، في ظل التضخّم المستشري.

 

فالتضخم هذا الذي كان يبلغ ما بين 4% و5%، في الأعوام المذكورة أصبح اليوم يتخطى الـ 300%. أما البطالة فلا تُعدّ بالأرقام، فيما الذين يعملون نستطيع إحصاءهم بنسب متدنية. أما نسبة الفقر فقد تجاوزت اليوم في ظل هذا الفراغ الجديد الـ80% من الشعب المنهوب والمذلول.

 

في هذا الجو السوداوي، وهذه الأرقام المتدنية والمخيفة، التجاذب السياسي، وخطة الفراغ التي استُخدمت في أعوام 2014-2016، لا يُمكن إستعمالها في العام 2022، وإذا ستُخدمت فإنها لا تُنجب أكثر من الدمار الشامل والحزن والدموع. أما الشعب فلم يعد يستطيع التحمُّل، حيث حُجبت عنه كل أسلحته الإقتصادية والإجتماعية، وأصبح رهيناً وسجيناً في حبس هذه السياسات المدمّرة.

 

في الخلاصة، إن الفراغ الرئاسي «موديل 2022» لن يُشبه أبداً الفراغ الرئاسي «موديل 2014-2016»، في كل هذه التغيّرات المحلية، الإقليمية والدولية، ولن يدفع ثمنها إلاّ الشعب والإقتصاد والكرامة. ما نعيشُه اليوم هو جريمة جديدة تُكتب في هذا التاريخ الأسود، والخطيئة التي لن تُغتفر.