كل المؤشرات توحي أن لا إنتخابات رئاسية وشيكة، وأن فترة الشغور في رئاسة الجمهورية مرشحة للإستمرار أشهراً أخرى، تحت طائلة الإنقسامات الداخلية، وفقدان الأكثرية الحاسمة في مجلس النواب من جهة، فضلاً عن غياب التوافقات الخارجية، الدولية والإقليمية، حول الوضع اللبناني، ومندرجاته المختلفة، وفي مقدمتها الإنتخابات الرئاسية.
التسليم بإستمرار الشغور الرئاسي لألف سبب وسبب، يطرح مشكلة توازي بأهميتها مسألة تعطيل الاستحقاق الرئاسي، تتعلق بإشكالية ما يُسمّى « تشريع الضرورة»، حيث تفرض الأوضاع الإستثنائية التي يتخبط فيها البلد في دوامة مدمرة من الإنهيارات المتسارعة، إتخاذ سلسلة من التشريعات القانونية لتلبية حاجات ضرورية وملحّة، سواء لبعض القضايا المعيشية والإجتماعية، أم لتلبية شروط الدول المانحة، والمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتنفيذ خطوات إصلاحية لا بد منها لفتح أبواب المساعدات الخارجية.
ولكن ثمة كتل نيابية، معظمها ذات أغلبية مسيحية، تُعارض مسألة التشريع في فترة الشغور الرئاسي، بحجة أن الأمور لا تستقيم دون وجود رئيس الجمهورية، وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما هو البديل عن تشريع الضرورة، وكيف يمكن تسيير شؤون الدولة، وتلبية حاجات الحد الأدنى من الناس، في هذه المرحلة الحرجة، في حال إمتد الشغور الرئاسي أشهراً أخرى؟
المفارقة أن المعارضين لقيام مجلس النواب بالتشريع في فترة الشغور الرئاسي منقسمون إلى فريقين: الأول هدفه الإمعان بسياسة التعطيل الكيدي، ووضع العصي بما تبقى من دواليب الدولة المتعثرة أصلاً، والثاني يتخذ موقفاً سياسياً مبدئياً ينطلق من الحفاظ على هيبة وأهمية دور رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية،
وبالتالي ثمة قلق بأن يؤدي تشريع الضرورة إلى حالة من الإسترخاء السياسي وعدم تسريع الإنتخابات الرئاسية.
ولكن العقدة الأساس أن الفريقين لا يملكان بديلاً جاهزاً لتعطيل التشريع، سوى الحثّ على تسريع الإنتخابات الرئاسية، بالنسبة للفريق الثاني، والاستمرار في سياسة التعطيل، بالنسبة للفريق الأول!
وفي حال المراوحة بين الورقة البيضاء في الإقتراعات الرئاسية، وعدم التجاوب مع تشريع الضرورة، فإن الأوضاع المتداعية أصلاً ستزداد تدهوراً، بحيث يخرج وضع الدولار عن السيطرة، وتتوقف مساعي تأمين الكهرباء ولو لساعات معدودة، وتتفاقم فوضى فلتان الأسعار، ويتعثر تطبيق الدولار الجمركي، والأخطر من كل ذلك إحتمال توقف الدولة عن دفع رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، مما سيؤدي إلى الإرتطام الكبير الذي كثر الحديث عنه منذ أشهر الصيف الماضي.
ولكن ثمة من يخشى أن تبقى مسألة تشريع الضرورة معطلة ومرتبطة بالإنتخابات الرئاسية لغايات في نفس يعقوب، بإنتظار «صفقة ما» خارجية، على غرار ما حصل في الإتفاق النووي السابق بين إيران والغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية عام ٢٠١٦، حيث تم الإفراج عن الإنتخابات الرئاسية المعطلة في لبنان لسنتين ونصف السنة، وفتحت أبواب قصر بعبدا لمرشح حزب الله وحليفه العماد ميشال عون. أو كما حصل غداة عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، حيث أيضاً تم الإفراج عن الإنتخابات الرئاسية في العراق وتشكيل حكومة من حلفاء طهران، بعد أزمة سياسية خانقة إستمرت أكثر من سنتين، تعطلت خلالها إنتخابات رئيس الجمهورية، وبقي البلد في ظل حكومة مستقيلة، ووصل الشارع العراقي إلى حافة الحرب الأهلية، قبل أن يتم إبعاد الزعيم مقتدى الصدر بقدرة قادر عن المسرح السياسي.
ولكن ماذا لو طال إنتظار طبخة التسوية الخارجية، في ظل الظروف الدولية المعقدة نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية؟
يبدو أن بعض اللبنانيين إعتادوا بقاء بلدهم معلقاً بين السماء والطارق، رغم ما قد يحمله هذا الوضع من أخطار ومخاطر على البقية الباقية من إمكانيات صمود الناس الغلابى!