49 يوماً على الشغور الرئاسي.. ماذا سيحمل ماكرون إلى قمة جوار العراق؟
49 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، الذي يعيش كل أنواع الأزمات، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا بنجاح، وخصوصا في العام 2022 الذي لم يتبق منه سوى 12 يوما، وبعد عشر جلسات انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، بات واضحا أن الشغور الرئاسي سينتقل الى العام 2023، ليستمر عداد الشغور بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليها «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، وبالتالي، فإن التدخلات الخارجية في انتخابات رئيس الجمهورية قديمة منذ انتخاب أول رئيس للبنان عام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي.
وها هي اليوم تتكثف التحركات والمواقف والتصريحات والدعوات الدولية لإنجاز هذا الاستحقاق، وسيكون آخرها في العاصمة الأردنية عمان حيث تُعقد غدا (الثلاثاء) القمة الثانية لدول الجوار العراقي التي عرفت بـ «بغداد 2» والتي سيشارك فيها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كما كان قد أعلن قصر الإليزيه قبل أسبوع عن عقد قمة إقليمية في الأردن «قبل نهاية السنة»، تجمع العراق والدول المجاورة بمشاركة فرنسا على غرار مؤتمر بغداد في 28 آب 2021، وكما أفيد فإن الرئيس سيبحث، مع المشاركين، ومع القادة الإيرانيين والسعوديين في شكل خاص، الملفَ اللبناني، محاولا تحييده عن الاشتباك الإقليمي وتأمين مناخات تسهّل الانتخابات، علما ان القضية كانت أيضا مدار درس بينه والمسؤولين القطريين الذين استقبلوا في الأيام الماضية، رئيسَ التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وأيضا قائد الجيش العماد جوزيف عون… على أي حال، أكد مصدر عن الاليزيه أن ماكرون ناقش مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الملف اللبناني خلال زيارته للدوحة منذ أيام. وكشف أن ماكرون سيتطرّق الى الملف اللبناني في قمة عمان الاسبوع المقبل، وسيُعبّر عن تطلّعاته لانتخاب رئيس للجمهورية بما في ذلك تنفيذ الإصلاحات المتوقعة لمساعدة لبنان في القريب العاجل.
بأي حال رغم كل ذلك، فإن «كلمة السر» الحاسمة لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا».
ثمة قول في لبنان منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي أن كل «ماروني يعتبر مرشحا لرئاسة الجمهورية»، وقبيل استقالة الرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري في أيلول 1952، كان هناك من طرح اسم أول قائد للجيش لبنان المستقل اللواء فؤاد شهاب، لكن شهاب هو من رفض المنصب، وإن كان الرئيس الخوري سلّم الدستور لقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، بعد ان كلّفه رئاسة الحكومة المشكّلة من ناظم عكاوي وباسيل طراد.
وكما يقول الرئيس شارل حلو كان «على الساحة مرشحان: كميل شمعون وحميد فرنجية، وهما نائبان لهما أنصار في صفوف الأكثرية والمعارضة، وكان هناك أيضاً مرشّح جديد على الساحة هو الجنرال فؤاد شهاب، الذي عيّنه الرئيس بشارة الخوري رئيساً للحكومة المؤقتة التي ستتولى الانتخابات الرئاسية وتصريف الأعمال العادية، واقترح حميد فرنجية الذي لم يكن ضامناً فوزه ترشيح الجنرال فؤاد شهاب لكن نواب بيروت قرروا لاعتبارات شخصية وطنية أن يكونوا كتلة واحدة تدعم مرشحاً واحداً، لن يكون الجنرال شهاب، ولا ننسى ان عدد نواب بيروت 13 وهم يمثلون جميع الطوائف وكانوا كلهم تقريباً إما وزراء وإما رؤساء حكومات، وكان المرشح الذي اختاروه هو كميل شمعون الذي ضمن فوزه المحتم».
العهد الاستقلالي الثاني برئاسة كميل شمعون انتهى بأحداث 1958، بعد تسارع الأحداث، أوفد الرئيس الأميركي ايزنهاور مساعده روبرت مورفي إلى لبنان، الذي اجتمع مع كل الأطراف. وتدارس الموقف معهم، ودس كما يقول يوسف سالم «أثناء حديثه سؤالاً عن الرجل الذي يستطيع فيما إذا تولى الحكم، أن يُعيد الأمن والطمأنينة إلى لبنان ويقضي على الفتنة»، فكان إجماع المعارضة على رفض تجديد الولاية لشمعون، وفهم من حديثهم ان «اسم الجنرال فؤاد شهاب مقبول».
وزار مورفي «شمعون ونصحه بأن لا يفكر في التجديد حتى لا يقال انه استعان بالجيش الأميركي ليجدد الرئاسة لنفسه، فأعرب له الرئيس شمعون عن خيبة أمله في أصدقائه الغربيين وفي طليعتهم الأميركيين» وقال له: «اني أحصد ثمار موقفي معكم ضد الشيوعية، وها أنتم الآن تقفون مع المعارضة ضدي».
وأجاب مورفي، كما يُؤكّد يوسف سالم، جواباً قاطعاً بقوله: «لا تجديد، وإنما نترك لك يا حضرة الرئيس أن تفكر في الأمر، ويبدو لي، بعد ان درست الموقف، ان اللواء فؤاد شهاب هو أصلح المرشحين في هذه الفترة العصيبة التي يمرّ بها لبنان». وفي حقيقة الأمر، كان الرئيس شهاب أساسا خيار الرئيس جمال عبد الناصر، والذي ينقل عنه مايلز كوبلاند مؤلف كتاب «لعبة الأمم» قوله: «انه لو كانت الأزمة اللبنانية تخصّه وحده دون سواه، فأنَّ ما يفعله هو تنصيب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية ورشيد كرامي رئيساً للوزراء».
منذ تجربة الرئيس شهاب، صار قادة جيش آخرين يطمحون للمركز الأول – ومنهم قائد الجيش الأسبق الراحل إميل البستاني الذي يتردد أن أحد أسباب موافقته على «إتفاق القاهرة» سنة 1969 الذي شرّع العمل الفلسطيني المسلح في لبنان كان على أمل أن يلقى دعما من الرئيس جمال عبد الناصر له في معركة الرئاسة لاحقا.
ثم انتخب عام 1998 قائد الجيش العماد إميل لحود رئيسا بعد تعديل المادة 49 من الدستور، والذي مددت ولايته ثلاث سنوات انتهت بفراغ رئاسي استمرت حتى 25 أيار 2008، ليخلفه قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي انتخبه مجلس النواب من دون تعديل المادة 49 من الدستور.
ومع اقتراب ولاية ميشال سليمان من نهايتها طرح البعض اسم قائد الجيش آنئذ جان قهوجي، لينتهي عهد سليمان، في 24 أيار 2014 بشغور رئاسي انتهى في 31 تشرين الأول 2016 بانتخاب قائد جيش أسبق هو العماد ميشال عون بعد التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري واتفاقية معراب مع سمير جعجع.
والآن في ظل الفراغ الرئاسي الذي يدخل يومه الـ49 من سيكون سيد الكرسي الأولى، فلننتظر العام 2023 وما سيحمل للبنانيين!