مصادر العاصمة الفرنسية: ماكرون الحريص على لبنان منزعج من الشغور الرئاسي
تطوى روزنامة العام الحالي على ملفات مثقلة بالتحديات المصيرية لتُرحل الى السنة المقبلة في ظل استمرار التأكيد بأن كل المؤشرات تدلّ على انسداد كل آفاق الحلول دون حدوث أي اختراق رئاسي أقله في الأشهر الأولى من العام المقبل، وحتى ذلك التاريخ تبقى معاناة المواطن اللبناني وهمومه بتصاعد مستمر على كافة المستويات بإنتظار انفراج دولي قد ينعكس إيجابا ولو محدودا على الأوضاع الداخلية، بعدما أفشل جميع المسؤولين كل محاولات التفاهم والتوافق للوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا سيما اننا اعتدنا وعلى مرِّ السنوات الماضية بتسليم مصيرنا الى الدول الصديقة والشقيقة لحل مشاكلنا ومساعدتنا للخروج من أزماتنا.
وعلى وقع مؤتمر بغداد في نسخته الثانية والذي أُفتتح أعماله في العاصمة الأردنية عمان برعاية مباشرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبدالله وبمشاركة قادة الدول المجاورة للعراق وقوى المنطقة الفاعلة والمعنية أيضاً بالملف اللبناني لا سيما المملكة العربية السعودية، قطر، مصر، إيران وتركيا، تأمل مصادر سياسية عبر «اللواء» أن يكون لبنان المستثنى من الدعوة للمؤتمر ضمن اهتمام المسؤولين المشاركين فيه رغم انه مخصص لبحث الأوضاع الداخلية في العراق، ولكن من المعلوم ان الملف اللبناني مرتبط بشكل مباشر بالمستجدات في المنطقة، وتتوقع المصادر أن يستفيد الرئيس الفرنسي من حضور المملكة العربية السعودية وإيران لإثارة بعض الملفات المتعلقة بالوضع اللبناني.
أما مصادر العاصمة الفرنسية تكشف لـ«اللواء» بان الرئيس الفرنسي الذي كان ينوي زيارة لبنان لمعايدة جنود بلاده المشاركين في قوات «اليونيفل» قد ألغى هذه الزيارة بناءً لنصائح دولية على اثر حادثة الاعتداء على القوات الإيرلندية في الجنوب ومقتل أحد جنودها، وتلفت المصادر الى ان الرئيس ماكرون لم يكن متحمّسا أصلا للقاء المسؤولين اللبنانيين في حال زار بيروت في ظل استمرار الشغور الرئاسي وحكومة تصريف أعمال وخلافات أهل الحكم وانزعاجه مما آلت إليه الأوضاع في لبنان، ولكنها تشدد على استمرار حرص الرئيس ماكرون على بذل كافة جهوده لمساعدة ودعم لبنان وشعبه، وتذكر المصادر باللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع ماكرون خلال قمتي بالي وبانكوك حيث تم التطرق الى الملف اللبناني بشكل مباشر، وتلفت أيضا المصادر الى الاجتماع الذي عقد مؤخرا في الرياض بين كل من المستشار الرئاسي باتريك دوريل والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا ورئيس المخابرات خالد الحميدان إضافة الى عدد من المسؤولين مما يؤكد بان الملف اللبناني لا يزال في صلب اهتمام باريس والرياض من منطلق ضرورة إنهاء الشغور في أسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة والقيام بالإصلاحات المطلوبة.
كما تُذكر المصادر الفرنسية بالبيان الواضح والهام الذي صدر أيضا بعد المحادثات الأميركية – الفرنسية التي عقدت مطلع الشهر الحالي والذي يؤكد على التوافق بينهما على مساعدة لبنان للخروج من أزمته، وتعتبر المصادر أن المؤشرات تدل على تفويض الأميركيين خلال المحادثات الفرنسيين لإيجاد أي حل مناسب من شأنه إنقاذ لبنان رغم ان البعض يعتبر انه ليس في قائمة أولويات الولايات المتحدة راهنا، كذلك الأمر بالنسبة الى أوروبا المنشغلة بمشاكلها الداخلية والأوروبية المتعلقة بالطاقة والنفط والتضخم بما فيها فرنسا ورغم ذلك تستمر بالقيام بخطوات بإتجاه لبنان والتي يمكن لها تعبيد الطريق أمام اللبنانيين للقيام بخطوات قد تضع لبنان على سكة التعافي والإستقرار وتحقق في نفس الوقت إنجازاً يسجل لها بعد دخول شركة «توتال الفرنسية» على خط إستخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية.
وعلى الرغم من ان المصادر تجزم من ان ليس لدى باريس أو أي دولة معنية بالملف اللبناني اسم مرشح رئاسي محدد لأنها تعتبر ان انتخاب الرئيس هو شأن داخلي لبناني يجب حصوله من خلال توافق الأطراف اللبنانية فيما بينها، فإنها تشيد بالمقابل وبشكل غير مباشر وردا على سؤال بأداء وشخصية قائد الجيش العماد جوزف عون الذي له مكانة خاصة لدى الفرنسيين من خلال علاقاته المتينة معها وتعتبره بأنه يشكّل في هذه المرحلة ضمانة لتنفيذ اتفاق الترسيم مع إسرائيل من دون انتكاسات أمنية، كما انها ترى فيه مصدر ارتياح لدى الولايات الأميركية، غامزة أيضا من أهمية زيارة قائد الجيش الى قطر والحفاوة المميزة التي طبعت لقاءاته.
من ناحية ثانية، تؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى في بيروت لـ«اللواء» بان الأوضاع السياسية ستبقى تراوح مكانها حتى بداية العام المقبل الذي من الممكن أن يحمل معه ملامح حل خصوصا ان الأجواء الداخلية مأزومة جدا لا سيما على الصعيد المسيحي المشتت والمنقسم وفي الوقت ذاته الرافض لإعطاء رئيس حكومة تصريف الاعمال اي فرصة لممارسة صلاحياته التي أوكلها له الدستور، ومن هذا المنطلق تشير المصادر الى ان أجواء الجلسة التشاورية التي عقدت يوم الجمعة الماضي في السراي الحكومية لم تكن إيجابية وهذا الأمر انعكس على الاجتماع الرباعي الذي عقدته اللجنة الوزارية في مكتب وزير التربية عباس الحلبي يوم السبت الماضي، مما يشير الى تعليق عمل هذه اللجنة الى موعد غير محدد، كذلك الأمر بالنسبة الى اللقاءات التشاورية والاجتماعات الحكومية رغم ان الرئيس ميقاتي يؤكد انه في حال اقتضت الضرورة للدعوة الى مجلس للوزراء فهو لن يتأخر، ولكن المصادر تشير الى ان جلسة المجلس الأخيرة استفزت الأطراف المسيحية والرئيس ميقاتي سيتجنّب في المرحلة الراهنة الدخول مجددا في سجال معها رغم معرفته الأكيدة بان ما يقوم به هو دستوري وميثاقي بشهادات المرجعيات الدستورية والقانونية.
وحول ما إذا كان هناك ضرورة لعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار ترقيات الضباط تؤكد المصادر انه حتى الآن فان الرئيس ميقاتي ليس في وارد الدعوة رغم ان لديه صلاحيات بذلك ولكنه يفضّل حاليا استيعاب الوضع المأزوم مسيحيا قبل القيام بأي خطوة على هذا الصعيد.
المصادر تؤكد ان لا فيتو على انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون إذا تم التوافق على شخصه محليا ودوليا باستثناء موقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي قد يسير في هذا الطرح مجبرا خصوصا ان هناك حديثا عن مبادرة قطرية جديدة قد تتبلور مطلع العام المقبل وهي ستكون ضمن سلة متكاملة متضمنة اسم رئيس الحكومة وشكل الحكومة إضافة الى حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش.