IMLebanon

تحالفات سياسية قامت ثم تلاشت.. من القرنة إلى ما بعدها (9)

 

99 يوماً من الشغور الرئاسي.. الزلزال يُغطّي على الوهج الباريسي

 

99 يوما على الشغور الرئاسي في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق قريبا، وفيما لم تسفر الجلسات الانتخابية الـ11 عن أي نتيجة، تستمر الحكومة الميقاتية الثالثة التي تعتبر مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس نواب 2022 في 22 أيار الفائت في مهام تصريف الأعمال، في وقت يواصل الدولار ألاعيبه وتحليقه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، فيتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي كان يطلق عليه «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع بإسم الرئيس العتيد، وفي المفارقات الرئاسية منذ أول رئيس استقلالي، انه كانت تقوم مع كل رئيس جديد تكتلات وجبهات سياسية وحزبية جديدة، وتختفي أخرى.

 

وتتسلط العيون على باريس حيث يعقد اجتماع فرنسي – أميركي – سعودي – قطري – مصري، بمشاركة مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية السفير علاء موسى والسفير نزيه النجاري، ونائب وزير الخارجية القطري السفير منصور العتيبي. وسيكون طبق اللقاء واقع الحال في لبنان، وقد خطفت وقائع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا الأخبار عن اللقاء الباريسي، على أمل أن يصل الترياق الباريسي لرسم خريطة طريق لخروج بلد الأرز من النفق الرئاسي المظلم؟!

بأي حال، فإن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية  لم تصدر بعد، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، وبالتالي سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا»، فيما تتواصل معه مرارات اللبنانيين التي باتت تطال كل تفاصيل حياتهم اليومية، وخصوصا الصحية والاجتماعية والتربوية والاستشفائية والدوائية والغذائية، إضافة الى النور وحركة النقل، لكن ثمة سؤال يبقى يلحُّ في خاطر اللبنانيين عن كيفية ولادة تجمعات وتكتلات أو أحلاف سياسية في كل فترة زمنية ثم لا تلبث أن تذهب الى التلاشي والإختفاء. وبعد عرض عن تحالفات ولقاءات قامت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ماذا في الوقائع التحالفية لأحزاب ومجموعات سياسية في مرحلة مسيرة الطائف؟..

 

إذا كان اتفاق الطائف قد أنهى الحرب الأهلية سيئة الذكر في لبنان التي استمرت 14 ونيف، وما حفلت وقائعها من دماء ودموع وخراب وتصفيات وتحالفات، فان استمرار قيام أحزاب سياسية وتحالفات وتجمعات سياسية لم يتوقف، وعلى نفس المنوال القديم، أدّى بعضه خدمته وانتهى دوره، وبعضه تلاشى من تلقائه، واللافت هنا أنه مع بدء الألفية الثالثة كان نشوء وتوالد كيانات وتجمعات وتحالفات سياسية، بعضها صار مجرد حدث من الماضي.

قرنة شهوان وخلية حمد

بعد نداء مجلس المطارنة الموارنة في أيلول 2000 كان إنشاء لقاء «قرنة شهوان» برعاية المطران يوسف بشارة كإطار سياسي في نيسان 2001.

لقاء قرنة شهوان, كان تكتلا وإطار عمل سياسي شكّله عدة سياسيين لبنانيين مسيحيين وقد سُمّي على اسم قرية قرنة شهوان التي إنعقد فيها أول اجتماع للمجموعة. وقد عارض اللقاء التمديد للرئيس إميل لحود وكان من المشاركين في ما يسمّى «ثورة الأرز».

بعدها كان عام في عام 2002 إنشاء «اللقاء الوطني الإسلامي» الذي عُرف بـ «خلية حمد» وكان أحد الأهداف في خلفية إنشاء هذا اللقاء هو استعادة دورة الحياة السياسية في محاولة وضعها بين الحكم والمعارضة وإعادة الأمور الى نصابها، بعيدا عن العصبية والتوتر.

نحو جبهة وطنية لم تكتمل

في أول أيلول عام 2003، عقد اجتماع في منزل الرئيس الحسيني دام ساعتين ونصف الساعة، شارك فيه كل من: الرئيس عمر كرامي، الرئيس سليم الحص، النائبان بطرس حرب ونايلة معوض والدكتور البير منصور، وعلى الأثر تلا الرئيس الحسيني بيانا جاء فيه «قرر المجتمعون إقامة تعاون دائم في ما بينهم وصولا الى تكوين قوة سياسية وطنية، غايتها وقف الانهيار وتحقيق الإصلاح عبر إعادة تكوين سلطات الدولة، كما نص عليها الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، بما يناسب حاجات اللبنانيين وآمالهم، وبما يرتفع الى مستوى التحدي الذي يواجه لبنان وسائر العرب. وهو الأمر الذي بات تفرضه الأوضاع والمخاطر التي قادت إليها ممارسات لا أساس ولا سند لها في الدستور أو في وثيقة الوفاق الوطني. بل كانت في الواقع إمعانا في الفساد وعلى اساس من الاستهتار. وقد كان التمادي فيها، الى هذا الحد، لأسباب منها العصبية الطائفية التي تحول دون محاسبة الشعب لمن يتولى الاحكام باسمه، كائناً من يكون.

ad

وإذا كان من الواضح ان هذه الغاية تستلزم استنفار طاقات اللبنانيين وامكاناتهم جميعا، للارتفاع الى مستوى الشعب، فمن الواضح أيضا ان السبيل المؤدي الى هذه الغاية إنما يكون باعتبار هذا اللقاء خطوة أولى على طريق اتساعه لكي يشمل كل القطاعات والمناطق، في مستوى القيادة كما في مستوى القاعدة.

والشجاعة مطلوبة كما الحكمة، الرأي كما العمل، في هذا السبيل.

وعلى ذلك، قرر المجتمعون تكوين هيئة وطنية تضم نخبة من المفكرين والعاملين في الحقل العام للاسهام في صياغة هذا المشروع في تفاصيله الضرورية، وفي وضعه موضع التنفيذ».

كما أعلن «انهم قرروا الاجتماع دوريا، في إطار جبهة وطنية، لمتابعة هذا العمل، ولاتخاذ ما يتوجب من المواقف والمبادرات المشتركة، في المستوى الوطني.

وإذ يعلن المجتمعون هذا التوجه فما يرجونه هو أن يكون هذا الإعلان نداء موجّها الى قلوب اللبنانيين وعقولهم، رجالا ونساء، شبابا وشابات، مثقفين وعمالا، للمشاركة في الدفاع عن حقهم في حياة كريمة في ظل نظام ديموقراطي سليم».

وأعلن الرئيس الحسيني ان الاجتماع رفع ليعقد الاجتماع الثاني بعد اسبوع في منزل الرئيس سليم الحص لاستكمال البحث في الخطوات المرجوة.

وعن سبب توقيت إعلان تلك الجبهة آنئذ قال الحسيني: «لان الانهيار بلغ حدودا تنذر بأخطار شديدة وتاليا كانت هناك مساعي تسرعت راهنا لمواجهة هذه الأخطار»، مشيرا ان «الهدف هو الإنقاذ وتهيئة المناخ والأجواء ليصبح الخطاب السياسي خطابا سياسيا وطنيا بدلا من الحال المعروفة راهنا. أما موضوع تغيير الحكومة فهو من وسائل الإنقاذ وليس في إطار بحثنا الآن».

بالنسبة الى الجامع بين أعضاء هذه الجبهة قال الحسني: «بداية خط الرئيس رشيد كرامي والتضحيات التي قدّمها، واستمرار الرئيس عمر كرامي في هذا الخط، ثم جهاد وجهود الرئيس سليم الحص منذ 1976 في هذا الخط، وانتخاب الرئيس الراحل رنيه معوض واستشهاده في هذا الخط أيضا، إضافة الى وثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني وترسيخ وحدة لبنان واللبنانيين وعيشهم المشترك بقصد قيام لبنان بدوره ورسالته».

بعد هذا الواقع كان الزلزال الكبير الذي ضرب لبنان باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليكون لبنان أمام مرحلة جديدة من التحالفات والانقسامات والفراغات السياسية والرئاسية التي ما نزال نعيش تداعياتها.

(يتبع الحلقة الأخيرة)