Site icon IMLebanon

سياسة الشغور الرئاسي ولعبة الرهانات العبثية

 

أخطر ما في الشغور الرئاسي الذي دخل شهره الخامس هو سياسة الشغور المرسومة سلفاً. سياسة الفخ المنصوب بالخيار وقيادة البلد الى الوقوع فيه بالإضطرار ضمن مهزلة دستورية. والهدف مزدوج: العمل في المرحلة الأولى على تهميش الموقع الرئاسي ودفع اللبنانيين الى التكيّف مع العيش وإدارة الأمور من دون حاجة الى رئيس للجمهورية. والحرص في المرحلة الثانية على المجيء برئيس هامشي يكتفي بالمنصب ويترك السلطة للقوة التي أصرت عليه. لكن العقبات هذه المرة كبيرة أمام سياسة الشغور التي يمسك بها “الممانعون”، ولو اكتمل الإنهيار في لبنان. فليس لدى “محور الممانعة” سوى قوة التعطيل. وليس في الرهانات على توظيف التعطيل في إبتزاز الداخل والخارج سوى حسابات إفتراضية.

 

ذلك أن ما يتكل عليه “الممانعون” هو شيء من مسرح العبث، وشيء من غطرسة القوة. إيران التي تقود “جبهة المقاومة والممانعة” وتدعو الى “إخراج أميركا من غرب آسيا”، وتهدد أوروبا، تنتظر صفقة مع “الشيطان الأكبر”، وتتحدث عن رسالة تقول واشنطن إنها لم ترسلها وإن الملف النووي ليس على الطاولة منذ أشهر.

 

“محور الممانعة” في لبنان بقيادة “حزب الله” يمارس سياسة عبثية: يريد أن يكون لبنان “منصة إيرانية” في حين يتولى العرب والغرب مساعدة البلد بالتمويل والإستثمار. يهاجم السعودية وأميركا ويتوقع ضوءاً أخضر من واشنطن والرياض للذهاب بمرشحه الى البرلمان وانتخابه رئيساً. يهلل للإنفتاح العربي على سوريا بعد نكبة الزلزال، مع أنه لا يزال في الإطار الإنساني، ويتجاهل أن الإنفتاح السياسي هو طريق في اتجاهين، لا في اتجاه واحد. فالإحتضان العربي لسوريا يقابله تغيير في موقف دمشق من الحضن الإيراني ومن التسوية السياسية على أساس القرار 2254، وإلا بقي كل شيء في إطار التعاطف الإنساني مع الشعب السوري. وكلما قال “الممانعون” إن الخيار الرئاسي “لبناني لا خارجي”، بدت خطوتهم ناقصة من دون خطوة خارجية لن تأتي بشروطهم.

 

والوقت حان لشيء من الواقعية في قراءة اللبنانيين في الكتاب الإقليمي والدولي. فالمنطقة ليست عشية تحولات وتطورات دراماتيكية لها إنعكاساتها على لبنان. لا في اتجاه الصفقات والتسويات. ولا في اتجاه الحروب. لا شيء يوحي، بصرف النظر عن الرغبات والتحليلات والحاجات، أن أميركا وإيران على باب العودة الى الإتفاق النووي، ولا أن الرياض وطهران على وشك تسوية تنهي حرب اليمن والشغور الرئاسي في لبنان. ولا أن واشنطن تتحرك لترتيب “حل الدولتين” بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ومن الصعب حالياً، على الرغم من إرتفاع الأصوات، نشوب حرب بين إسرائيل وإيران ومعها “محور المقاومة” في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة. والأصعب والأبعد بالطبع هو حرب بين العرب وإسرائيل، وإن كانت الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة قد بدأت بقوة، وإسرائيل تقترب من حرب أهلية. فلا حروب قبل أن تنتهي حرب أوكرانيا التي يشارك فيها كثيرون وتؤثر على الجميع وتختصر كل الحروب.

 

ولعلنا في حاجة الى “فهم أكثر من المعرفة” حسب تعبير الفيلسوف أشعيا برلين.