غداً يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون القصر الرئاسي في بعبدا، وسط غموض شديد يلف المرحلة المقبلة، في ظلّ شغور رئاسي وفوضى دستورية حول صلاحية حكومة تصريف الاعمال أو عدم صلاحيتها في ممارسة سلطات رئيس الجمهورية، ويتزامن انتهاء ولاية الرئيس عون مع حدثين كبيرين، أحدهما ايجابي جداً والثاني سلبي جداً.
الحدث الإيجابي، دخول لبنان مرحلة جديدة في تاريخه، من خلال اتفاق الترسيم الحدودي البحري جنوباً، وبالتالي لم يعد معزولاً عن تحالف منتدى غاز الشرق الذي يضمّ مصر والاردن والسلطة الفلسطينية واسرائيل وقبرص واليونان، برعاية اميركية ومباركة فرنسية، وبالتالي أُعطي فرصة ثمينة لإعداد نفسه للخروج من الجحيم، بالتنقيب عن الغاز والنفط في مياهه الاقليمية سريعاً، لأنّ الحاجة الاوروبية إلى الطاقة لا يمكنها ان تتنظر سنوات من الحرب في اوكرانيا، وبالتالي توقف أو تقنين الغاز الروسي نحو القارة العجوز.
أما الحدث السلبي، فهو ظهور عجز القوى السياسية عن إدارة الدولة وعدم تمكّنها من التغيير في سلوكها السياسي التدميري، ولم تتنازل عن مصالحها الخاصة لمصلحة البلد الجريح. وبالتالي فإنّ النتيجة، شغور في موقع رئاسة الجمهورية وشلل على مستوى السلطة التنفيذية بلا أي افق أو مواعيد لإعادة الانتظام الدستوري ومواكبة المرحلة الإيجابية الجديدة.
في الواقع، انّ لبنان يقف على مفترق طريق مصيري في مستقبله ودوره. فهو من جهة يدخل نادي الدول المنتجة للغاز والنفط في وقت مناسب جداً، يمكن أن يخرجه من القعر ويحوّل أزماته الاقتصادية والمالية المستعصية الى فرص استثمارية، وفي الوقت ذاته، دخوله في مرحلة سياسية جديدة بالكامل عندما ينتخب رئيساً للجمهورية ويؤلف حكومة جديدة، تضع في اولوياتها خطة إنقاذ مالية واقتصادية، تعيد الثقة إلى النظام المالي الحرّ وقدسية الملكية الفردية.
أما من الجهة الثانية، فإنّ لبنان لم يعط أي مؤشرات حتى الآن، لا على قدرة الطبقة السياسية المتحاصصة للسلطات، ولا على إرادتها في احترام الدستور والاستحقاقات، وفي إقرار الاصلاحات التي ما زالت وستبقى شرطاً اساسياً يتمسّك به المجتمع الدولي لمساعدة لبنان في الخروج من أزماته وتمكينه من استعادة عافيته.
تحذير خطير
في السياق، يحذّر خبراء دوليون، من انّ الغاز والنفط لا يكفيان وحدهما لإنقاذ البلد، وانّ التجربة الفنزويلية هي اكبر دليل على انّ السلوك السياسي واستمرار الفساد والهدر، حوّلا فنزويلا من دولة نفطية غنية إلى دولة فقيرة، وأبقياها في الجحيم اكثر من عشرين عاماً وما زالت تعاني.
ولعلّ عدم استعادة الليرة اللبنانية شيئاً من قيمتها امام سعر الدولار الاميركي بعد الاعلان عن اتفاق الترسيم البحري، وهو إنجاز تاريخي رحّبت به أكبر دول العالم، يؤكّد انّ الثقة ما زالت معدومة بالحكام وسياساتهم ومحاصصاتهم وعدم جدّيتهم في الإصلاح، لا بل عجزهم عن القيام بأبسط واجب، وهو الشروع في انتخاب رئيس للبلاد ضمن المهلة المحدّدة في الدستور.
اما التحذير الملفت، فهو إشارة هؤلاء الخبراء إلى احتمال اعلان شركة «توتال» بعد سنوات من التغويز في قاع البحر، من عدم وجود الغاز المنشود مثلما حصل العام 2020، وهنا الطامة الكبرى! فيما تكون إسرائيل قد انتهت من التنقيب والاستخراج ويكون لبنان خسر على المقلبين!!!
ولذلك، ينصح الخبراء المعنيون أنفسهم، ضرورة ان يستفيد لبنان اليوم من اللحظة، أفضل من ان تنعكس عليه تداعيات مصالح القوى السياسية العظمى في المستقبل، بخاصة انّ لبنان يشهد اليوم سباقاً محموماً بين أن يستفيد من الفرصة التاريخية المتوافرة له بأن يصبح دولة ميسورة ويحكمها عهد جديد بذهنية متطورة، وبين أن يهدر هذه الفرصة كما هدر كثيراً من الفرص السابقة، وإن لم تكن بحجم الفرصة الحالية الهائلة، وبين ان يكون اسير ما بعد بعد الفراغ الكبير.