الى متى يظلّ لبنان ينتظر نتائج حوار يغرق في الجدل والتنظير ما دامت ايران غارقة في التفكير قبل اتخاذ قرارها، وهو قرار لن تتخذه قبل أن تعرف حجم دورها في المنطقة ومساحة نفوذها فيها؟
الواقع ان ايران لو كانت حريصة فعلاً على أمن لبنان واستقراره كما تعلن لعمدت الى اخراجه من الأزمات التي يتخبط فيها وذلك بالطلب الى نواب حزب الله، النزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية كي يتخذ نواب “تكتل التغيير والاصلاح” خطوة مماثلة كما طلبت من الحزب التدخل عسكرياً في سوريا دعماً لنظام الرئيس الأسد، ولم تسأل لا عن سياسة حكومة ميقاتي التي دعت الى النأي بالنفس” ولا عن “إعلان بعبدا”.
لذلك ليس في استطاعة لبنان وحده اتخاذ قرار بانتخاب رئيس للجمهورية من دون موافقة إيران لتعود مؤسساته الى مسارها الطبيعي، ولا اتخاذ قرار مهم آخر وهو وضع كل سلاح خارج الدولة في كنف الدولة وامرتها.
لقد عاش لبنان 30عاماً في ظل دولة خاضعة للوصاية السورية فكان أمنه مستعاراً وهذه الوصاية كانت تعين الرؤساء والوزراء وعدداً كبيراً من النواب يشكلون أكثرية موالية لهذه الوصاية وتجعلها تقرر ما تشاء باسم الدولة اللبنانية الوهمية أو الصورية ويعيش لبنان اليوم في ظل هيمنة إيرانية من خلال سلاح “حزب الله” استعاضت به عن سياسة التعيين التي كانت تمارسها الوصاية السورية بسياسة التعطيل لأن إيران عجزت عن الفوز بالأكثرية الموالية لها مثل سوريا في انتخابات 2005 و2009 بل كانت هذه الأكثرية لقوى تناهض سياستها في لبنان. وهكذا أخذ لبنان يتحمل عواقب سياسة التعطيل التي تمارسها إيران من خلال “حزب الله” وحلفائه. فلا نصاب يكتمل لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة وخمسة أشهر، ولا عمل للحكومة حتى استجابة لأولويات الناس، ما لم تتحقق “الشراكة الوطنية” التي تفرض عند الشغور الرئاسي الاجماع في اتخاذ القرارات لا الأكثرية وأن خلافاً لما نصت عليه المادة 65 من الدستور.
لذلك فلا انتخاب لرئيس الجمهورية من دون قرار إيراني، ولا دولة قوية، يمكن أن تقوم في لبنان في ظل أي رئيس وأي حكومة إلا بقرار إيراني، ينهي وظيفة سلاح حزب الله في لبنان، بحيث يبقى السلاح حصراً في يد الدولة كي تستطيع بسط سيادتها وسلطتها على كل أراضيها وتطبيق القانون على الجميع وفي كل المناطق بدون تمييز وبالعدل والمساواة. وهو ما حصل في الماضي بعد إقرار اتفاق الطائف، إذ تولت القوات السورية التي دخلت الى لبنان لوقف الاقتتال فيه مهمة جعل الميليشيات على اختلاف هوياتها الحزبية والسياسية والمذهبية تسلم اسلحتها للدولة. فهل المطلوب اخضاع لبنان لوصاية جديدة توصلاً الى جعل كل سلاح حصراً في يد الدولة وإلا فلن تقوم دولة…
إن انتخاب رئيس للجمهورية لا يكفي إذا لم يعقب انتخابه قرار يضع كل سلاح خارج الدولة في كنف الدولة وبأمرتها لتصبح قادرة على أن تكون حاكمة لا محكومة، وإلا فان أي رئيس للجمهورية سيكون عهده امتداداً لعهود سابقة كانت محكومة بوصاية سورية واليوم بســلاح خــارج شرعيتهـــا وسلطتها يحكمها ويسقط هيبتها ويعطل قراراتها.
إن الكلمة في انتخاب رئيس للجمهورية هي لإيران وليست لطاولة الحوار التي تنتظر هذه الكلمة. فاذا ظلت ايران تصرّ على أن يكون هذا الرئيس من خطها السياسي فمعنى ذلك أن الشغور الرئاسي سيستمر الى أجل غير معروف. أما اذا قبلت أن يكون الرئيس توافقياً على صورة حكومة سلام فإنها تكون عندئذ تريد لبنان فعلاً لا قولاً سيداً حراً مستقلاً ومستقراً. فمتى تقول ايران كلمتها في الانتخابات الرئاسية فيكون الرئيس التوافقي المقبول من كل القوى السياسية الاساسية وبقبولها إياه يكون رئيساً قوياً، لأن من يمثل نصف لبنان لا يمكن أن يحكم النصف الآخر أذا كان مرفوضاً منه ومتى تقول أيضاً كلمتها في موضوع سلاح “حزب الله” إذا كـــانت تريد أن يكون في لبــنان دولة قوية لا سلاح فيها غير سلاحها، ولا دولة غير الدولة اللبنانية.