من أصغر مواطن لبناني إلى أعلى مرجع سياسي أو غير زمني، يتعايش اللبنانيون مع الفراغ الرئاسي و«ملحقه» الفراغ الحكومي، وكأنهما حال دستورية / وطنية طبيعية، ليس فقط لا غبار عليها، بل ربما هي مرغوبة ومطلوبة لدى كثيرين. وقد لا يفاجئنا أنها هدف لدى غير طرف لبناني… فثمّة، بين الأطراف اللبنانية مَن لا يُضيره الفراغ لأنه غير مقتنع بأن وجود رئيس للجمهورية وحكومة سويّة سيبدّل شيئاً في الوضع، مالياً واقتصادياً ومعيشياً أيضاً… وهذه «النظرية» تتقاطع مع اللبناني العادي الذي بلغ به اليأس حدّ الكفر بكل شيء، وهو باقٍ في لبنان فقط لأنه لم يستطع إلى السفر سبيلاً، أو لأنّه وضّب حقيبته ينتظر تأشيرة الدخول إلى أي بلد، لا يهمه إن كانت وجهته عالماً أوّلَ، أو ثالثَ عشر! وأمثال هذا المواطن كثيرون!
وهناك بين الأطراف الفاعلة مَن يأمل أن يُفضي الفراغ (الأحادي أو الثنائي) إلى إعادة طرح النظام كلّه على بساط الصيغة وحتى الميثاق، على أمل تعديلات جذرية تأتي في مصلحة فريقه، من تبديلات جذرية ليس فقط في الرئاسات الثلاث وحسب، بل أيضاً في إعادة توزيع المراكز الأساسية في الدولة (على سبيل المثال لا الحصر: رئاسة مجلس القضاء الأعلى، قيادة الجيش، حاكمية مصرف لبنان…).
وثمة طرف يراها (أو يأملها) مناسبة للمضي في مخطّط البحث عن سبيل إلى تحقيق الفيدرالية باعتبار أن اللامركزية الإدارية ليست سوى نكتة سخيفة وسمجة، موسّعةً كانت أو ضيّقة. وعلى يمين هذا الفريق ثمّة مَن يقفز فوق الفيدرالية واللامركزية بالطبع ليصل إلى الكونفيدرالية ذاتها. وهذا وجه مباشر صريح من أوجه التقسيم.
نعرف أن أحداً من القيادات والفاعليات السياسية لن يجهر بموقفه علناً، ولكننا نعرف، بالتأكيد القاطع، أن هناك نُخَباً (داخل الأطراف المشار اليها أعلاه) مكلَّفةٌ إعداد دراسات «تنفيذية» تعمل لمصلحة غير فريق.
لذلك لا يفاجئنا، على صعيد شخصي، أن يكون الفراغ رغبةً، بل ومطلباً، ما يرسم صورة الفراغ بريشة «حنونة»، وليس بجنون لوحات «فان غوغ».