حين كان مطران أنطلياس أنطوان أبو نجم يجول بـ»مبادرته» على القيادات والمرجعيات المسيحية، والمارونية تحديداً، حاملاً لائحة أسماء «مقبولة» لرئاسة الجمهورية، كان في أحد لقاءاته مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وحين بدأ يتلو عليه الأسماء الواردة في اللائحة، ووصل إلى اسم النائب ابراهيم كنعان، أمين سر «تكتل التغيير والإصلاح»، قاطعه باسيل قائلاً: «سيِّدنا خلينا بالجَد»، وكانت هذه المقاطعة من باسيل دليلاً على أنه لا يريد أي مرشح من «التيار» أو من «التكتل».
بعد شهرين على هذه الواقعة، أطلّ النائب آلان عون بما يمكن اعتباره «فتوى رئاسية» فحواها، أنّه إذا كان لا بد للمعارضة أن تختار مرشحاً، فيجب أن يكون من «التيار الوطني الحر» الذي وحده يثق «حزب الله» بأن يكون مرشح المعارضة منه.
في شرحٍ لهذه «الفتوى»، أنّ «حزب الله» لا يثق إلا بسليمان فرنجيه أو بمرشح «التيار»، وإذا كان فرنجية «ورقة محروقة»، لأنّ المعارضة تضع فيتو عليه، فإنّ «الخطة باء» تقضي بأن يكون هناك مرشح يرضى به «الحزب»، وطالما أنّ «الحزب» يطمئن إلى «التيار»، فلا بد ان يكون المرشح من «التيار».
هل «قطعت» هذه الفتوى على رئيس «التيار» قبل أن يُطلقها النائب آلان عون؟ إذا كانت منسَّقة معه، فهذا يعني أنّه إمّا يناور، وإمّا تراجع عن موقفه الذي أدلى به أمام المطران أبو نجم، وفي الحالتين، لا جديَّة في الطرح.
«فتوى» النائب آلان عون تعني»موارنة التكتل»، أي النواب آلان عون وسليم عون وابراهيم كنعان، وفريد البستاني وندى البستاني وسيمون أبي رميا وسيزار أبي خليل وشربل مارون وجيمي جبور. بالتأكيد لم يقصد النائب آلان عون سوى «صديقه» ابراهيم كنعان، وهو آخر مَن يقبل به جبران باسيل، قبل وصول اسمِه إلى «حزب الله»، فماذا تعني هذه «الفتوى» أو هذه «المناورة»؟ ولماذا أطلقها النائب آلان عون؟
بكل بساطة، الجواب هو على قاعدة: «ليس حباً بمعاوية، بل كرهاً بعلي»، أي أن «التيار» لم يشأ التسويق لابراهيم كنعان، بمقدار ما أراد التعبير عن رفضه للوزير السابق جهاد ازعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
السؤال هنا: هل استبق آلان عون جواب «حزب الله «على جهاد أزعور؟ أم قطع الطريق عليه قبل أن يصل الإسم إلى «حزب الله»؟
هناك أمر واحد يتقاطع عليه «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، وهو إطالة أمَد الفراغ الرئاسي، كلٌّ لأهداف في نفسِه: «حزب الله» يُبقي على»الخطة ألف»، أي الفراغ، و»الخطة باء» هي سليمان فرنجية. ورئيس «التيار الوطني الحر» يبقي على»الخطة ألِف»، أي الفراغ، و»الخطة باء» هي جبران باسيل. وطالما أنّ «حزب الله» لن يستطيع تأمين انتخاب فرنجية، وباسيل لن يستطيع الوصول إلى بعبدا، فإنّ «الخطة ألِف» للطرفين أي الفراغ، هي سارية المفعول.
مرَّ على الفراغ الرئاسي سبعة أشهر إلا سبعة أيام، هي مدة «قصيرة» إذا ما قورنت بفراغ السنتين ونصف السنة بين أيار 2014 وتشرين الأول 2016، والذي تسبب به «حزب الله» بالتوافق آنذاك مع الرئيس ميشال عون. إذاً الفراغ والتعطيل ليسا سوى استراتيجية معتمدة سواء في الاستحقاقات الرئاسية أو في تشكيل الحكومات، إلى أن ينال «حزب الله» مبتغاه: حصل ذلك عام 2016، بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حصل في تشكيل الحكومات، لم يحصل اي تشكيل إلا بعدما توافر الثلث المعطِّل. في هذه الحال، البلد أمام واقع: إما يتحقق ما يريده «حزب الله»، وإما فليكن الفراغ.
هل تعي القوى السياسية هذا الواقع المتمادي تحديداً منذ أيار 2014؟ منذ ذلك التاريخ، يتصرف «حزب الله» بموجب «أمر عمليات سياسي» عنوانه: «إمّا يحدث ما أريد، وإما فليستمر الفراغ». لم يحِد «الحزب» عن هذه الاستراتيجية، وما عدا ذلك لا يعدو كونه «إلهاءات».