بمنطق التعاون «المحصحص»، انطلقت رحلة حكومة الشراكة العونية – الميقاتية، بعزم رئيسها وسعادة وزرائها. وبنفس منطق التعاون «المتآمر»، تستمرّ الطبقة السياسية «بالتكافل والتضامن»، في تلطّيها وراء سيل الازمات المتوالدة وخلف حجج «الحصار الدولي» للتملّص من المسؤوليات والواجبات، خافيةً خلف أكماتها صفقاتٍ وسمسرات لم تحل «الازمة» من وقفها او التخفيف منها. فالسياسة في لبنان «ما عاد إلها طعم»، «كلّو معطّل»، حتى عمل شيوخ الصلح «واقف»، هم الذين يعيشون عادةً «عالأزمات». وحده الدولار صعوداً، بعدما «زهق من الطلوع والنزول»، «مشغل» معه الدواء والمحروقات والطعام و»قد ما بِتطّال إيدك تطّال».
وسط هذا المشهد، تحركت دفعة واحدة الامور على الخط الحكومي، رغم ان شيئا في الظاهر لم يتغيّر ولا مستجد حتّم زيارة ميقاتي الى القصر، لا بل بقي القديم على قدمه، الا انه وفقا للعالمين فان الضغوط الداخلية هذه المرّة، تخطت إلى حدٍّ كبير تلك الخارجية منها، نتيجة الظروف الإقتصادية المتدحرجة بشكلٍ دراماتيكي، ما يُنذر بانفجارٍ كبير يصعب السيطرة عليه، وفقاً لتقارير الأجهزة الأمنية المختلفة، حيث تعاني الشوارع المسيحية والسنّية والدرزية، حالة احتقانٍ كبيرة، لن يكون بإمكان المسؤولين السياسيين في هذه الساحات السكوت عنها، وكذلك بالنسبة لحارة حريك التي يبدو انها المتضرر الوحيد حتى الساعة من عدم تشكيل حكومة جديدة.
غير ان مجمل المعطيات المتصلة بالعقد التي تعترض الولادة الحكومية، وكذلك الاجواء السياسية العامة، يشير بوضوح الى استمرار التأزم وتجاوزه اي محطة زمنية ذات دلالة في مسيرة التأليف المتعثر للحكومة. ومع أن ثمة قوى ىسياسية تراهن على اختراق الازمة بفعل تراكم الاستحقاقات الداخلية والخارجية، فان أي ترجمة لهذا الرهان لم تحصل بعد، بدليل «تواضع» قنوات الاتصال وتراجعها على نحو ملحوظ، وسط معلومات تؤكد ان سقوف الشروط لا تبدو قابلة للانحسار، خصوصا ان ما رشح من اجتماع بعبدا الرئاسي لم يقدم جديدا، ولا سجلت حركة على ضفة الاتصالات.
فهل تعكس الحركة الحكومية المستجدة الوصول الاكيد لفخامة الفراغ الى بعبدا، وهل تندرج زيارة الرئيس المكلف في خانة المسعى المستجد لانعاش جهود التأليف بعدما وضع معظم القوى السياسية الملف خلفه وسلم بعدم جدوى التعب والعناء لحكومة «كم شهر»؟
امران لافتان استبقا المبادرة الميقاتي: الاول ،اجازة الرئيس المكلف التي قضى وقته خلالها في تفكيك الغاز ما يجري من صفقات وتكويعات ومساومات في الخارج، وفق ما رشح من معلومات، والثاني، ادارة حارة حريك لمحركاتها ودخولها على الخط اقله من باب الضغط الاعلامي، بعدما دأب مسؤولوها على الترديد منذ فترة «مش متل ما بدو جبران»، بعدما ظهر امين عام حزب الله في اطلالته على محطة «الميادين» وجود خلاف اساسي حول الاولويات بين البرتقالي والاصفر، قبل ان ينتقل الحزب الى الخطوات التنفيذية مع مباشرته سلسلة اتصالات على اكثر من خط، اندرج لقاء كليمنصو بجزء منه تحت هذا الاطار، مع عودة «الحماوة» الى خط باريس – الحارة.
صحيحٌ أن رئيس الجمهورية أعلنها بصراحةً «صوت وصورة»، في ذكرى الاول من آب ،ان الظروف لم تتوافر لقيام الحكومة المطلوبة، ما عنى به يومها ان العودة الى حكومة على شاكلة الحالية غير وارد، وبالاحرى «تعويم» الحكومة الحالية تحت عنوان «التشكيل» غير ممكن وغير مقبول في بعبداومن يحاول ارضاء الرئاسة من خلال الحفاظ على حصة العهد ذاتها عددا واشخاصا، «فليخيط بغير هذه المسلة»، وفقا لمصادر متابعة.
وتتابع المصادر بان من يريد جديا من الرئيس عون ان يغادر بعبدا عشية 31 تشرين، عليه ان يعرف ان البديل في حال الفراغ هو حكومة على قياس المرحلة، تضمن الحقوق المسيحية في ظل انتقال السلطة للسنّة، واي كلام آخر «ما بطعمي خبز»، و»ما حدن يجرّب الجنرال».
عليه تكشف اوساط متابعة للاتصالات الجارية، ان الصورة الزهرية التي جرى تعميمها خلال الساعات الماضية لا تمت الى الواقع بصلة، وبالتالي ما قدم لرئيس الجمهورية لا يختلف عما سمعه قبل الاول من آب، اقله لجهة الروحية ان لم يكن الشكل، لذلك لا حكومة قبل نهاية العهد الا بشروط العماد عون، متسائلة باي ميزان حسب الرئيس المكلف الاصوات اللازمة لنيل حكومته الثقة في ظل التركيبة الحالية للمجلس النيابي؟ ام هي خدعة اعادة احياء الثقة بحكومة تصريف الاعمال؟
هل سيسكت الرئيس عون و»يبلع الموس»؟ أم ينام على ورقة سيلعبها عندما تحين اللحظة؟ أحدٌ لا يمكنه التكهّن بخطوة رئيس الجمهورية التالية، إلاّ أن فريقه وضع أكثر من سيناريو للتعامل مع المستجدات وفقاً للمقتضى، وإن كان ثمة من يرى أن المكتوب يُقرأ من عنوانه… «فتخبيص بتخبيص» الامور «ماشية»، و»الحق عالطليان»…