IMLebanon

فراغ السدّة الرئاسية أم فراغ «ما فوق السدّة»؟  

مرور خمسة عشر عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول هي مناسبة للتذكر والإعتبار، سواء على الصعد الأكثر محلية، أو على مستوى الكوكب ككل، فكم من الوقت مرّ، وكم من الصور تعاقبت .. كم من الحقائق تبدّلت، وكم من الأوهام انقشعت. 

في المقابل، أكدت المقولة التي تسابق الكثيرون للمساجلة ضدها طوال التسعينيات، وبعد الهجمات، وعلى امتداد الخمسة عشر عاماً الأخيرة، أي مقولة «تصادم الحضارات»، على أنها، في أقل تقدير، مقولة لم تفرغ بعد كل ما في جعبتها. بل تعزّزت نزعة الانمكاش على الذات والتصلّب على امتداد كل العالم، وبعد أن أعطت العقود الأخيرة من القرن الماضي الانطباع بالتوسع الديموقراطي المتتابع على الصعيد العالمي، وبسطت المسائل على أنه نموذج ديموقراطي ليبرالي واحد ليس على الأمم الا اقتباسه الواحدة بعد الأخرى، أظهر عالم ما بعد هجمات أيلول أزمة التوسع الديموقراطي العالمي أكثر من ذي قبل، بل أزمة الديموقراطيات الغربية في حواضرها. 

تنظيم القاعدة الأول تحول بعد التدخل الأميركي – الأطلسي في أفغانستان الى كوكبة تنظيمات قاعدة غير متصلة جدياً بين بعضها، ثم ظهرت التجربة الأكثر رعباً ودموية، والأكثر توظيفاً للمخيال الخلاصي وأحاديث نهاية العالم وتقاليد حرب الصحراء، أي تنظيم «الدولة الاسلامية«. 

وفي الموازاة، تحولت الحرب العالمية على الارهاب الى مجموعة حروب على الارهاب، بعضها تريد ان تبقى جوية فتزيد جويتها الأمور عجزاً وسوءا حيال داعش (الأميركيون)، وبعضها تريد ضرب داعش فتقصف أخصام هذا التنظيم بدلاً منه (الروس)، وبعضها يعتبر نفسه على رأس مكافحة الارهاب، وهو في الوقت نفسه على رأس لوائح التنظيمات الارهابية (حزب الله)، وبعضها يضرب الأهالي بالكيماوي وبراميل المتفجرات، أيضاً بحجة أنه يكافح الارهاب (نظام آل الأسد). تمغيط «مكافحة الارهاب» يتخذ منحى عبثياً. 

عندما شنّت هجمات أيلول ضد مانهاتن والبنتاغون، كان لبنان لا يزال تحت الوصاية السورية. وبقدر ما ساهم «الوضع الجديد» في كارثة لبلد بحجم العراق، فقد ساهم أيضاً في أزمة للسيطرة السورية على لبنان، تعاملت معها هذه السيطرة بأسلوب دموي نوعي أدى الى التعجيل بنهايتها. لكن لبنان من يومها من دون «مندوب سامي» واضح ومباشر، وفي الوقت نفسه فان الانشطار حول المسألة السيادية، وحول مسألة السلاح غير الشرعي، جعلا البلد غير قادر على تسيير شؤونه بنفسه من دون مفوض سامي، وعبثا يستطيع «حزب الله» رغم كل مشروعه الهيمني، او ربما بسببه، وراثة الدور الوصائي الشامل الذي كان يمارسه اركان النظام السوري. 

منذ خمسة عشر عاماً والى اليوم ولبنان ضحية مساحة الاختلاط بين مزاولة الارهاب وبين مكافحته. وهذا يدخله ايضا في نوبات فصامية من انواع مختلفة.

بالتوازي، فان كل هذه المدة لم تجعل لبنان لا محورياً ولا هامشياً على خارطة انتباه العالم. لم تعقد عليه انتظارات ديموقراطية بالغة كما في بلدان عربية اخرى شملها «الربيع». استمرت الديموقراطية المقيدة، الطائفية، وهذه ظلت تعمل بشكل او بآخر، الى ان ظهرت مشكلتها الهيكلية للعلن في اثر طرح القانون الارثوذكسي، والفراغ الرئاسي، وكافة عناوين التأزم التي ترفد ذلك. 

وفي عالم يعج برهاب الاسلام، وبتضخم جميع الاصوليات عبر العالم، كما في اقليم تتقاطع بين مساحاته الحروب، بقي النموذج اللبناني صالحاً للترويج، من باب التعددية الثقافية وضرورة التصالح والتكيف معها، لكنه ظهر في نفس الوقت على انه نموذج معطّل في عقر داره، وبشكل لم يعد من الممكن استشراف أفق واقعي لمعالجته في الأمد المنظور. هل، مجدداً، لاننا نفتقد مفوضاً سامياً اجنبياً، وليس فقط رئيساً؟ فراغ السدة أو فراغ ما فوق السدّة؟ جواب اولي: الاثنان معاً.