يقف نواب الأمة اليوم أمام استحقاق جديد في مسيرة «جلجلة» الإنتخاب التي قد تطول لتتحوّل إلى مشهد مألوف في الحياة السياسية اللبنانية.
لم يعش لبنان أيّ شكل من أشكال الفراغ الرئاسي في جمهورية ما بعد الإستقلال، إذ إن الإستحقاقات الدستورية كانت تُحترم، والأهمّ من هذا أن رؤساء الجمهوريات كانوا حماة الإزدهار وليس الإنهيار كما يحصل في الزمن الحالي.
وقد ذاق لبنان كأس مرّ الفراغ الرئاسي للمرة الأولى عام 1988 حيث فتحت نار جهنم بعد تسلّم قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون الحكومة الإنتقالية، لذلك فإنّ طعم الفراغ بعد انتهاء ولاية عون الرئيس قد يكون أصعب هذه المرة لأن لبنان دخل نفق الإنهيار.
إذاً، فإنّ النواب المنتخبين حديثاً أمام استحقاق أساسيّ ومفصليّ، فإمّا ينجحون في مهمّتهم أو إنهم سيتحوّلون إلى شهود لفراغ قاتل.
ولم يتبدّل أيّ أمر جوهري بين الجلسة الأولى للإنتخاب وجلسة اليوم، فالاصطفاف السياسي ما زال هو نفسه، وهناك 3 سيناريوات للجلسة، الأول أن يتم تعطيل النصاب وهذا الأكثر ترجيحاً بعد إعلان «التيار الوطني الحرّ» مقاطعتها بسبب مصادفتها في تاريخ 13 تشرين، والثاني أن تُعقد الجلسة ويتكرّر مشهد الجلسة الأولى، أما الثالث فيتمثل بتأمين النصاب وانتخاب رئيس.
ويبدو أن السيناريو الثالث مستبعد لأن فريق 8 آذار لم يحسم خياراته بعد، في حين أن القوى السيادية لا تزال ترشّح رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض.
ونال معوّض في الجلسة الأولى 36 صوتاً لكن عملياً كان هناك غياب من نواب يؤيدون معوّض وسيصوّتون له في جلسة اليوم إن عُقدت، وبالتالي فإن هناك احتمالاً بأن يقترب عدد الأصوات التي ينالها معوّض من الخمسين صوتاً إذا دعمه نواب كتلة «الإعتدال الوطني» وبعض النواب المستقلّين، وقد يلامس هذا الرقم الستين صوتاً إذا حصد دعم عدد من النواب التغييريين. ومن جهة محور حلفاء «حزب الله»، فإن الحرب الضروس لا تزال دائرة بين رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، ولم يحسم «حزب الله» قراره بتبنّي أي ترشيح ولا يزال يترك اللعبة أو الصراع يأخذ مداه، وبالتالي لا جديد على هذا الخطّ.
ولم يقم فرنجية بأي خطوة تجاه باسيل، كما لم يُعقد لقاء علني بين الرجلين يتوّج الإتفاق الرئاسي علماً أنّ نواباً من تكتل «لبنان القوي» لا يوفّرون فرصة إلّا ويهاجمون ترشيح فرنجية على اعتبار أن الأخير هو المنافس الأول لباسيل مسيحياً عند «حزب الله» وأنه لا يملك حيثية تمثيلية تسمح له بالوصول إلى كرسي الرئاسة.
وأمام كل هذه الإحتمالات، فإن مشاهد التعطيل ستتكرّر ولن يستطيع أي فريق من أفرقاء اللعبة حسم الصراع لصالحه، بينما كل ما يحكى عن إمكانية إبرام تسوية داخلية تتيح انتخاب رئيس لن تسلك طريقها لأن حجم التباعد كبير، بينما ينصبّ الأمل على أن تأتي كلمة السرّ من الخارج وتنقذ البلد من التعطيل والفراغ الحتميّ.