IMLebanon

التعطيل الخطير يتفاقم: هؤلاء سيخلفون الموارنة في مواقعهم الأساسية!

 

تدخل البلاد في آتون من الصراعات بين القوى الحاكمة مع استفحال الفراغ الرئاسي وغياب أي افق يؤدّي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. قد يكون الشغور الرئاسي يسرق الأضواء من كل الإستحقاقات، لكنّ الحقيقة أن البلاد تعيش فراغات من نوع آخر، أولها عدم وجود حكومة فعلية بل حكومة تصريف أعمال، وعند كل قرار أو استحقاق مهم يُفتعل سجال حاد بين الأفرقاء حول دستورية عقد جلسة لمجلس الوزراء، وهذا ما حصل أخيراً بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس السابق ميشال عون و»التيار الوطني الحرّ» على خلفية الجلسة الحكومية ومن ثمّ الخلاف حول تمويل قطاع الكهرباء.

 

وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فإنّ الإتجاه هو لمزيد من التأزم والإنهيارات على الصعد كافة، السياسية والإقتصادية والمالية وربما الأمنية، والأهم من هذا كله هو الفراغ في المواقع المهمة.

 

كان فراغ العام 2014 الأطول بعد «اتفاق الطائف» إذ بلغ نحو سنتين ونصف السنة، وسبق الفراغ الأول بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود والذي وصل إلى حدود نصف سنة، أما عدّاد الفراغ الحالي فلا يعرف أحد أين سيقف وكم سيبلغ.

 

وإذا كان «التيار الوطني الحرّ» يحارب بسيف «الميثاقية» ويعتبر أنّ تصرفات ميقاتي غير دستورية في زمن الشغور الرئاسي، إلا أنّ هناك خوفاً مسيحياً ومارونياً من استمرار الفراغ وخسارة الموارنة موقعهم الأول في الدولة والشرق. ويُعبّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن هذا الخوف المزدوج، على الدولة وعلى الدور المسيحي في آن، لكن خطر الفراغ سيضرب المكون المسيحي اكثر إذا ما استمرّ مسلسل التعطيل.

 

عندما ذهبت رئاسة الجمهورية بعد ولاية الرئيس الأول للجمهورية شارل دباس إلى الموارنة، كانت تتمتع بصلاحيات قريبة من صلاحيات الرئيس الأميركي حالياً وكان النظام اللبناني شبه رئاسي وليس برلمانياً كما في الزمن الحالي، لكن بعد «الطائف» تقلّصت صلاحيات الرئيس وباتت هناك مواقع مارونية في الدولة أكثر نفوذاً، وعلى سبيل المثال فإنّ حاكم مصرف لبنان هو الحاكم المالي الفعلي للبنان ولا يستطيع أحد مقاضاته، أمّا الموقع الماروني المهم أيضاً فهو قيادة الجيش حيث يعتبر الجيش أكبر جهاز أمني عديداً وعتاداً ودوراً، وتشكل قيادته ممرّاً للرئاسة، في حين أنّ هناك مركزاً مارونياً مهماً أيضاً وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى.

 

ونظراً لأهمية هذه المراكز، أكد المرشح للرئاسة رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية في إحدى حلقاته التلفزيونية أخيراً أنه لا يستطيع وعد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أو أي طرف آخر بمنحه هذه المراكز إذا وصل إلى بعبدا لأنّه بالأساس تحتاج هذه المراكز إلى تفاهمات خارجية – داخلية مثلما يحصل في الرئاسة وذلك نظراً لأهميتها وارتباطاتها الخارجية.

 

وإذا لم تحصل معجزة وينتخب رئيس قبل الصيف، فإنّ معظم المراكز المارونية المهمة ستصبح فارغة مثل الرئاسة تباعاً: ففي تموز من العام الحالي تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عندها سيستلم نائبه من الطائفة الشيعية وسام منصوري هذا المركز بالوكالة وهنا تسجّل سابقة في هذا المجال خصوصاً وسط سعي «التيار الوطني الحر» لتسمية الحاكم ورفض الجميع لأي مرشّح عوني ورغبة «حزب الله» في الدخول إلى تركيبة حاكمية المصرف.

 

أمّا الفراغ الثاني المتتالي فسيحصل في أيلول من العام الحالي أيضاً، ففي هذا التاريخ ستنتهي ولاية رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وعندها يفقد الموارنة مركزاً إدارياً ثانياً. والجدير ذكره أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى هو رئيس أول تمييزي، وفي حالة الشغور سيحلّ نائبه مكانه أي مدعي عام التمييز غسان عويدات (سني) وبالتالي فانّ هذا الأمر سيخلق مزيداً من الحساسيات.

 

لكن الخطورة الأكبر إذا إستمرّ الفراغ طويلاً مثل العام 2014، فعندها سيضرب الفراغ المؤسسة الأمنية الأكبر أي قيادة الجيش لأنّ ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون تنتهي في كانون الثاني من العام 2024 وعندها يستلم رئيس الأركان الدرزي قيادة الجيش بالوكالة، لكن الأسوأ أنّ الفراغ ضرب قيادة الأركان بعد إحالة رئيس الأركان أمين العرم إلى التقاعد وعدم القدرة على تعيين بديل، وبالتالي فإنّ إستمرار الفراغ لهذه المدّة يعني أنّ هناك قراراً كبيراً بحلّ مؤسسات الدولة.

 

ويظهر جلياً أنّ الأفرقاء المسيحيين المعطّلين لإنتخابات رئاسة الجمهورية، أي «التيار الوطني الحر» وتيار «المرده» هما شريكان في ضرب المواقع المارونية ومواقع الدولة الأساسية على حد سواء، وبالتالي فإنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيشكل المدخل لإعادة تشكيل السلطة.

 

وفي رأي خبراء دستورين فإنّ حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على ملء هذه المراكز التي ستشغر لأن هذا الأمر يعني خروجاً عن النطاق الضيق لتصريف الأعمال حتى لو كان هناك سبب جوهري وهو تأمين تسيير مرافق الدولة الاساسية.

 

ومن جهة ثانية، فإنّ مثل هكذا تعيين يتطلب توافقاً سياسياً كبيراً، فكيف الحال في مثل هكذا أجواء سوداوية، لذلك فإنّ إستمرار الفراغ الرئاسي سيمتدّ إلى كل المواقع المهمة في الدولة، فهل من يتعظ؟