أسلوب خبيث لإبقاء باسيل أول المرشحين للرئاسة أو تحكماً بالمرشح البديل
يخوض الرئيس ميشال عون ووريثه السياسي النائب جبران باسيل معركة رئاسة الجمهورية، تحت شعارهم الشعبوي المعهود، الدفاع عن موقع الرئاسة الاولى والحفاظ على حقوق المسيحيين» المهددة» بالابتلاع من شريكهم المسلم بالسلطة، ويدعمان تحركهما بتأجيج الاجواء السياسية والشعبية، واستحضار كل مفردات التحريض الفتنوي والطائفي، ولا يوفران استنفار المراجع الدينية والتسكع على أبوابها، في سبيل تحقيق الهدف الاساس للوصول إلى السلطة، إما بانتخاب باسيل رئيسا، لاكمال مسيرة ميشال عون، الذي افصح عن ذلك بصراحة، أو فرض مرشح رئاسي، يكون مطواعا لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ومحققا لمصالح التيار واهدافه بالسلطة.
لم تعد هكذا حملات ممجوجة يطلقها رئيس التيار الوطني الحر، لفرض شروطه ومطالبه بالانتخابات الرئاسية، تنطلي على معظم اللبنانيين، بعدما خبروا الاعيبه واكاذيبه التي اصبحت أسلوباً منفراً، ينتهجه كلما اراد، والاستئثار بحصة وزارية من هنا تتجاوز حصته، أو مطلب خاص من هناك، او لتمرير ملف مالي ملتبس، أو للحصول على الثلث المعطل في تأليف الحكومات كما حصل مرارا، أو خلال الاستحقاقات الوزارية أو النيابية، أو بالتعيينات أو في مقاربة اي ملف حساس يطرح للبحث والنقاش، بينما يبقى السؤال المطروح هو، ماذا فعل عون وباسيل، للحفاظ على موقع الرئاسة وصلاحيات الرئيس طوال تمرُّسهما بمسؤولية الرئاسة الاولى والسلطة عموما؟.
يسجل للرئيس عون ووريثه السياسي باسيل بامتياز، انهما بعد ست سنوات من التربع على رئاسة الجمهورية والسلطة، وترؤس اكبر كتلة نيابية مسيحية وازنة، والاستئثار بمقدرات السلطة في العديد من الوزارات ومفاصل الدولة، والاستيلاء على نسبة كبيرة من الاموال المخصصة للكهرباء منذ هيمنة الاخير على وزارة الطاقة ومكوناتها، ناهيك عن السمسرات والصفقات التحاصصية المعلومة والمخفية، ليس التسبب بإدخال البلد، بأسوأ كارثة اقتصادية ومعيشية مر بها لبنان بتاريخه، وبتدمير مؤسسات الدولة وقطاع الكهرباء الذي يشكل العامود الفقري للحياة العامة، وافقار اللبنانيين وتهجير قسم منهم إلى الخارج، وتهشيم علاقات لبنان العربية والدولية، بل إنهما تعمدا عن قصد ونيّة مبيتة، ترك سدة الرئاسة فارغة، برغم كل الامكانيات التي اتيحت لهما، لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، للحفاظ على موقع وصلاحيات الرئيس المسيحي، ولتفادي التداعيات السلبية الناجمة عن الفراغ في الموقع المسيحي الاول بالدولة اللبنانية، وهي العناوين التي يتلطى وراءها ويتباكى عليها الاثنان كذبا وبهتانا، ويفتعلان المعارك السياسية حولها، لتحقيق هدفهما الاستمرار بالتحكم بالرئاسة الاولى، اما مباشرة أو بالواسطة. أكثر من ذلك، لم يترك رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وباسيل صاحبا، أو صديقا صدوقا لهما، او حتى حليفا حقيقيا في الوسط السياسي، وأصبحا شبه معزولين، بعد مغادرة عون سدة الرئاسة ومنسياً، الا في ذاكرة المهووسين من التيار. وبدلا من ان يكون في ولايته، رئيساً جامعاً للبنانيين والمسيحيين خاصة، بصفته رئيسا للدولة وحامي الدستور، استعدى الاطراف السياسيين الأساسيين، وصنّف نفسه رئيسا لتياره السياسي دون الاخرين، وحاز بجدارة على كراهية غير مسبوقة من غالبية الشعب اللبناني، التي اعتبرت نهاية عهده، نهاية أسوأ عهد ورئيس جمهورية في تاريخ لبنان.
لم تقتصر حملة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المدعوم من ميشال عون، على الغيرة المصطنعة على موقع الرئاسة الاولى، وصلاحيات رئيس الجمهورية «المصادرة» وحقوق المسيحيين «المهدورة»، بل انها تترافق مع حملات مسمومة ومنظمة، ضد كل المرشحين الرئاسيين، الذين يشكلون منافسة حقيقية لجبران باسيل للوصول للرئاسة، لتشويه صورتهم امام الرأي العام ونزع كل المواصفات التي تؤهلهم لخوض غمار الترشح لرئاسة الجمهورية، من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الى قائد الجيش العماد جوزيف عون، والآخرين، كل بدوره.
إزاء هذه الوقائع، لو كان رئيس الجمهورية السابق ووريثه النائب باسيل، يحرصان بالفعل على موقع الرئاسة الاولى، والحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، لما عطلا كل محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وتركا سدة الرئاسة الاولى فارغة، ويسعيان لاستنساخ وتكرار تجربة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، التي أوصلت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية مستقويا بسلاح حزب الله يومذاك. يتجاهل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ان وضعيته الحالية تختلف عما كانت عليه ابان الولاية الرئاسية الماضية، ولم يعد بامكانه الاستقواء بمقدرات السلطة وامكانياتها، لخوض معركة رئاسة الجمهورية، وحتى حيازة دعم حليفه حزب الله لم يعد متاحا بعد الخلاف الحاصل بينهما حول تبني الاخير لدعم ترشيح خصمه اللدود رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، وباختصار لم تعد حاجة الحزب للتيار كما كانت عليه سابقا.
من هنا، فإن افتعال رئيس التيار الوطني الحر المعارك الوهمية والصدامات السياسية، تارة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتارة اخرى مع حليفه المترجرج حزب الله حاليا، تحت عناوين الاستئثار بصلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، والشراكة، والميثاقية، على حساب الناس ومصلحة البلد، لشد العصب الشعبي المسيحي من حوله، والاستقواء به في معركة سباق باسيل المحموم للرئاسة ضد منافسيه، اصبحت محدودة التاثير، ولم تعد تفيد بشيء في قلب الوقائع وحسم الامور، واعادة تعويم نفسه من جديد، لاسيما بعد فشل العهد، رئيسا وتيارا بممارسة السلطة، واعطاء اللبنانيين نموذجا واحدا بالنجاح في ادارة الدولة، وتميزت ولاية عون المشؤومة، بالتلهي بالمناكفات والتعطيل، والانقلاب على التفاهمات والاتفاقات المعقودة مع الأطراف السياسيين، الذين سهلوا انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة، برغم كل الصعوبات والمحاذير التي كانت تحوول دون ذلك يومذاك. ولذلك، فإن كل الضجيج السياسي العوني المثار حولها، لن يعفي ميشال عون ووريثه السياسي، من الموبقات والخطايا، التي ارتكباها بعد ست سنوات من ممارسة السلطة، وابقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية وتكريس واقع الفراغ الرئاسي، وهي ليست المرة الاولى في مسيرة الاخير السياسية السوداوية، وهو ما تركه اليوم، للبنانيين عموما والمسيحيين خاصة، وهذا بالطبع لن يكون مدعاة فخر واعتزاز في السجل الكارثي التخريبي لميشال عون وباسيل معاً.
لذلك، وببساطة، الكل اصبح يعرف الان، لماذا تُرك موقع الرئاسة الاولى شاغراً، لانه لم يتم انتخاب الوريث السياسي لعون رئيسا، ليكمل مسيرة «مكافحة الفساد» الوهمية التي يتغنى بها الرئيس السابق في اطلالاته الاعلامية المهلهلة، لان الرئاسة الاولى، حسب مفهومه «إما أن تكون لصهر الجنرال، أو بلاها ما تكون»، ولو كان ذلك على حساب مصلحة اللبنانيين كلهم.