Site icon IMLebanon

“عقم” المجلس يُعطّل الرئاسة… كلمة السرّ لم تصل بعد

 

تعدّ البلاد مزيداً من الأيام التي تعيشها وتتعايش خلالها مع الفراغ الرئاسي، بينما لم تُسجّل أيّ مبادرة جديّة أو كلمة سرّ خارجية تساعد على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. يبقى الإنتظار سيّد الموقف لمراقبة المشهد الرئاسي ونهاية مسلسل التعطيل، في حين يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ضغطه على النواب المعطّلين ويؤكّد ضرورة أن يكون لكل فريق مرشّح وليفُز من يتخطّى عتبة الـ65 صوتاً. لكنّ المشهد اللبناني بات متأقلماً مع قاعدة خرق الدستور من بابه العريض، وهناك محطات بعد «اتفاق الطائف» تدلّ على السهولة في تنفيذ مثل هذه الخروقات سواء أكانت نيابية أم رئاسية.

بعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي عام 1989 إثر اغتيال الرئيس رينه معوّض، ظنّ اللبنانيون أن الحياة الدستورية ستعود إلى طبيعتها، لكنّ الخرق الأول سُجّل عام 1995 بعد رغبة الرئيس السوري حافظ الأسد بالتمديد للهراوي ثلاث سنوات، بعد ذلك خُرق الدستور مرة ثانية بالتمديد للرئيس إميل لحود في أيلول من العام 2004 وأيضاً لـ3 سنوات. وبعد انتهاء ولاية الرئيس لحود الممدّدة عام 2007 سيطر الفراغ إلى حين انتخاب الرئيس ميشال سليمان في أيار 2008 والذي غادر القصر من دون انتخاب رئيس إلى حين انتخاب العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول 2016 والذي غادر القصر في تشرين الماضي بلا خلف له.

أما نيابياً، فإن الإستحقاق الأول حصل بوجود السوري عام 1992 وسط مقاطعة مسيحية، ومن ثمّ أجريت الإنتخابات في دورتَي 1996 و2000، وحصل الخرق الأول عندما مُدّد للمجلس النيابي من الـ2004 إلى الـ2005، واستتبع خرق الدستور بتمديد ولاية مجلس 2009 إلى 2018 قبل أن يسير الإستحقاق النيابي بالمسار الصحيح وتجرى الإنتخابات في 2022، أي بعد 4 سنوات كما نصّ الدستور.

إذاً، بات مسلسل الخروقات الدستورية سهلاً على الطبقة السياسية، بينما القاعدة التي يجب أن تُتبع هي إجراء الإنتخابات واحترام المهل الدستورية.

وفي مقاربة عملية للواقع، فإن استحقاق 2022 الرئاسي كان يجب أن يكون الأسهل، وذلك نظراً إلى عوامل عدّة أبرزها:

أولاً: وصول الإنهيار المالي والإقتصادي إلى ذروته، وانخفاض سعر صرف الليرة مع ارتفاع جنوني للدولار، فهذا العامل كان ليشكّل الدافع الأول لتجنّب الفراغ الرئاسي لأن البلد لم يعد يحتمل الفراغات.

ثانياً: قصر المهلة بين الإنتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار والإنتخابات الرئاسية التي بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس في أول أيلول، وبالتالي ظنّ الجميع أن المجلس المنتخب حديثاً لا يتحمّل وزر فراغ رئاسي وفشل في أداء واجباته منذ انطلاقته.

ثالثاً: الرهان على أنّ الطبقة السياسية تعلم جيداً ثقل الأزمة وستبادر إلى إيجاد حلول، لكن هذا الرهان سقط.

رابعاً: عدم وجود عرقلة إقليمية ودولية تمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وسط إطلاق مواقف خارجية تؤكّد ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها.

لكن كلّ هذه العوامل والمؤشرات سقطت وتمّت استعادة مشهد فراغَي 2007 و2014، مع فارق جوهري وهو أنّ البلاد تعاني أسوأ أزمة إقتصادية ومالية، وبالتالي فإنّ الحلول السياسية تشكّل المدخل الأساسي لأي حلّ إقتصادي.

وتؤكّد جميع المؤشرات غياب التواصل الداخلي الجدّي بين القوى السياسية المتخاصمة وسط ضياع الأكثرية في مجلس 2022. وفي السياق، فإنّ أي حوار لا يزال يُعتبر مضيعة للوقت بين «حزب الله» ومن يمثّل و»القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الإشتراكي» والحلفاء، وبالتالي فإنّ الخرق الأول الداخلي بعيد جدياً، وبات «حزب الله» في موقع لا يستطيع من خلاله فرض رئيس للجمهورية.

أمّا الأبرز فهو عدم وجود أي إشارات جدّية من واشنطن تدلّ على الوصول إلى تفاهم مع طهران بخصوص الإستحقاق الرئاسي، وهذه الأجواء وصلت إلى من يتعاطى الملف الإنتخابي، وبالتالي فإنّ هذا الأمر كفيل وحده بنسف أي أمل قريب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.