ما هي مواقف الدول الخمس… ولماذا توسّعت رقعة التصعيد الداخلي؟
ثمة عناصر ومؤشرات في الداخل والخارج لا تنبىء بالدخول في مرحلة حسم الخيارات الرئاسية في المدى القريب. لذلك فان البلاد مرشحة للاستمرار في التدحرج نزولا، ليس لان الفراغ الرئاسي يشكل عاملا مؤثرا اساسيا لهذا الانهيار فحسب، بل لان انتخاب رئيس الجمهورية يفتح ابواب بناء المرحلة المقبلة على صعيد تشكيل حكومة اصيلة فاعلة، وتحرير المجلس النيابي من محاصرة دوره التشريعي.
في الزيارات الاخيرة لقيادات سياسية للرئيس نبيه بري، بعد جولة السفراء الخمسة على المسؤولين، لم تكن السفيرة الفرنسية ان غريو متفائلة، بل عبّرت عن قلق بلادها من التداعيات السلبية والخطيرة اذا طالت الازمة ولم يجر انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ويقول مصدر مطلع ان باريس، التي تبدي حماسا اكثر من الدول الاخرى للمساعدة على تضييق الخيارات حول الاستحقاق الرئاسي، ما زالت تعتقد ان الاطراف اللبنانية لم تتحمل مسؤولياتها في هذا الاتجاه، وان الخلافات في ما بينها هي المشكلة الرئيسية في وجه انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن. وقد تكون زيارتها لكل من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، مرتبطة بفكرة حث الاطراف على التلاقي عند نقطة تساهم في انضاج ظروف عقد جلسة انتخاب ناجحة، بعد ان استمعت الى بري حول رأيه في شأن الدعوة الى جلسة جديدة للانتخاب . مع العلم ان رئيس المجلس ينظر الى هذا الموضوع بشكل شمولي، لتكوين اجواء وفاقية مؤاتية تفسح المجال امام الدعوة الى الجلسة.
واذا كانت غريو لم تتحدث او تفصح عن تفاصيل التباينات التي ظهرت في اللقاء الخماسي الذي عقد مؤخرا في باريس، فان ما تسرب من معلومات عنه يؤكد ان ممثلي هذه الدول لم يحضروا الى العاصمة الفرنسية مزودين بمواقف متقدمة تتعلق بحسم الخيارات حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني، او على الاقل ان هناك دولتين من الدول الخمس لم تقررا الخوض في حسم هذه الخيارات في الوقت الراهن، هما الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية، بغض النظر عن خلفية وخصوصية موقف كل من البلدين تجاه هذا الموضوع.
ووفقا للمعلومات، فان فرنسا لا تمانع في انتخاب اي مرشح يحظى بنوع من الاجماع او التوافق بين اللبنانيين، ولا تضع “فيتو” على احد . ويقال ان هذه القاعدة تنطبق على اكثر من اسم مطروح، وفي مقدمهما قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
وتضيف المعلومات، ان قطر ابدت منذ فترة حماسا لخيار انتخاب العماد عون، وكانت تنوي اجراء حركة باتجاه لبنان بعد اللقاء الخماسي، لاجراء مشاورات استطلاعية مع المسؤولين والقيادات خول الخيارات الرئاسية، لكنها تريثت وارجأت هذه الخطوة لاسباب لم تعرف كل جوانبها.
ويتطابق الى حد ما الموقف المصري مع الموقف الفرنسي، مع العلم ان القاهرة تركز على تشجيع اللبنانيين على الحوار والتوافق، وتؤيد مسار الحهود التي بذلها اخيرا بري وجنبلاط.
اذن، وفق المعطيات حتى الآن، فان كل المؤشرات الخارجية تدل على ان الدول التي تتعاطى بشكل مباشر مع ملف الاستحقاق الرئاسي والوضع اللبناني، لم تدخل جديا في مناقشة مواصفات او الخيارات الرئاسية، وهي بطبيعة الحال لم تدخل في مناقشة الاسماء المطروحة، وان كل كلام آخر هو مجرد تكهنات وتفسيرات على الطريقة اللبنانية.
وفي الداخل، صارت خريطة المواقف واضحة، ولا تحتاج الى كثير من المتابعة والتمحيص . فما هو مؤكد حتى الآن، ان بري طوى صفحة مرحلة جلسات الانتخاب الـ١١، آملا في فتح صفحة تؤدي الى الدعوة لجلسة انتخاب تنتج الرئيس الجديد. وهذا يعني عمليا انتهاء مرحلة المنافسة بين المرشح ميشال معوض الذي دعمته “القوات اللبنانية” وآخرين في المعارضة، وايده “اللقاء الديموقراطي”، وخيار الورقة البيضاء، وبينهما نواب “التغيير” وكتلة “الاعتدال” السنية . ويعني ايضا انه يتطلع الى تنضيج الظروف لعقد جلسة يمكن العبور من خلالها الى انتخاب رئيس للجمهورية، تستند بالدرجة الاولى الى مبدأ التوافق، في ظل عجز الافرقاء والمحاور ايصال رئيس خارج هذا الاطار.
وبعد الجلسة الـ١١، لم تتحسن اجواء التقارب او الاجواء الوفاقية، على الرغم من الجهود التي بذلها بري ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، والمساعي التي قامت بها بكركي . وبدلا من الدفع باتجاه الحوار، توسعت الخلافات على غير محور، لا سيما بين الحليفين حزب الله و”التيار الوطني الحر” الذي قاد رئيسه جبران باسيل حملة غير مسبوقة على الحزب، الى حدود تعريض وثيقة التفاهم بينهما الى الانهيار كما يبدو اليوم، رغم حرص كل منهما على عدم اعلان وفاتها.
ووفقا لمصادر سياسية، فان الخلاف بين الجانبين على الخيار الرئاسي هو السبب لنزعة باسيل المتشددة تجاه الحزب، خصوصا ان الاجتماعات التي حصلت بينهما، بعد اللقاء الطويل الشهير الذي جمعه مع الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، لم تسفر عن اية نتيجة، بسبب رفض باسيل الشديد تأييد سليمان فرنجية، وتمسك الحزب بموقفه وعدم قبوله البحث في الانتقال الى ما يسمى الخطة ب. وحسب المصادر، فان حرص الحزب على التعاطي بهدوء مع هذا الخلاف، قابله انتقال رئيس التيار الى رفع اللهجة في التصريحات والخطابات العلنية، ملوحا بصراحة بالذهاب الى فك ارتباط التفاهم بين الطرفين.
وصار مؤكدا، كما ترى المصادر، ان باسيل اخذ يعمل منذ فترة على موجة جديدة، تتمحور حول كيفية التخلص من قرار العقوبات الاميركية عليه، والذي يعتبره قرارا سياسيا تأديبيا بسبب تحالفه مع حزب الله.ويعتقد انه اذا نجح في الابتعاد وفك الارتباط مع الحزب يمكن ان يحسن وضعه، ليس على صعيد التخلص من هذه العقوبات فحسب، بل ايضا على صعيد اعادة توفير مناخ قد يساعده في معركة الرئاسة، اما بشكل مباشر او للعب دور كاحد الاطراف البارزة في صناعة الرئيس الجديد.
اما حزب الله، فينظر الى المسألة من زاوية اخرى تتجاوز مثل هذه الحسابات، ولعل كلام السيد نصرالله، وتأكيده على عدم انتخاب رئيس يطعن المقاومة في الظهر، يلخص استراتيجية الحزب في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي.
وتلفت المصادر الى ان هناك ثوابت واضحة اكد ويؤكد عليها حزب الله هي:
– تغليب الحوار والتوافق كمسار لانتخاب رئيس الجمهورية.
– المجيء بمرشح لا يكون مرشحا استفزازيا او مرشح تحدٍ، بالتالي يكون نتاج توافق يضمن عدم طعن المقاومة.
– لم تفسح قيادة الحزب المجال لاي محاولة للبحث بالانتقال الى ما يسمى الخطة ب بديلا عن فرنجية، خصوصا ان الحوار مقفل والتوافق غير متوافر.
وتقول اوساط بري انه يقود جهودا لم تتوقف، ترتكز على ثوابت هي نفسها التي يؤيدها حزب الله، ويؤكد مرارا وتكرارا على الحوار لتقريب المسافات بين الاطراف، للوصول الى التوافق او الحد الممكن منه لانتخاب الرئيس الجديد.ولا تخفي اوساطه تأييده لانتخاب فرنجية، رغم انه لم يحن الوقت لترشيحه، لكنه في الوقت نفسه يركز على الحوار اولا واخيرا.
ومن جانب آخر، يتلاقى جنبلاط مع بري وحزب الله على الحوار والتوافق كسبيل لانتخاب الرئيس، رغم انه صوّت في الجلسات الـ١١ الماضية لمرشح المحور الآخر ميشال معوض، لكن في الجلسة الاخيرة، عبر عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” هادي ابوالحسن عن موقف واضح بالحاجة الى الانتقال الى مرحلة جديدة مبنية على الحوار.
واذا كان جنبلاط، كما عبرت بعض اوساطه، لا يمانع في انتخاب العماد جوزاف عون رئيسا، ويبدي ميلا لهذا الخيار، فانه لا يعارض ضمنا انتخاب فرنجية، اذا سارت الامور نحو هذا الخيار.
اما” القوات اللبنانية”فهي تحاول ان تلعب دور “ام الصبي” في الساحة المسيحية، واذا كانت حريصة على الاعلان عن استمرارها تأييد دعم معوض حتى الآن، فانها تعرف ان هذه المرحلة انتهت، ولا سبيل الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء . لذلك فهي تركز اليوم على امور عديدة، اهمها تجريد خصمها باسيل من اي سلاح او غطاء يمكنه من تحسين وضعه على الساحة المسيحية.وقد نجح جعجع حتى الآن في فرملة مسعى بكركي لجمع النواب المسيحيين في حوار حول الاستحقاق، او عقد لقاء مسيحي مصغر للغاية نفسها .
لكن المعلومات تفيد بان هناك اتصالات وحوارات تجري بالمفرق على هذا الصعيد بواسطة بكركي، التي تسعى الى توحيد الموقف المسيحي حيال الخيار الرئاسي، لكنها ما زالت دون التوقعات والطموحات.
وتخلص المصادر الى القول ان الدخول في مرحلة حسم الخيارات الرئاسية داخليا وخارجيا لم يحن بعد، وان الكلام عن روزنامة محددة لانتخاب الرئيس الجديد هو كلام لا يستند الى المعطيات المتوافرة او القائمة حتى الآن.وهناك نظريات عديدة يجري التداول فيها، منها ان الواقع والتوازنات القائمة لا تساعد على انتخاب رئيس، وبالتالي من المفترض احداث تغيير في هذه التوازنات والحسابات، من خلال التوصل الى تسوية على البارد او على الساخن.