IMLebanon

هل ينجح “الحزب” بتأليف حكومة؟

 

تفيد معظم المؤشرات السياسية إلى انّ الفراغ الرئاسي هو الأكثر ترجيحاً في ظل عدم حسم «حزب الله» خياره الرئاسي، وعدم تبلور الموقف الموحّد للمعارضة وتبنّيها لمرشّح واحد بعد. وبالتالي، هل هذا ما دفعَ السيد حسن نصرالله إلى الدعوة «لتشكيل حكومة حقيقية كاملة الصلاحيات إستباقاً وتحوّطاً لاحتمال الفراغ الرئاسي»؟

يؤكد موقف الأمين العام لـ«حزب الله» ثلاثة أمور مُعلنة:

الأمر الأول: توقّعه للفراغ الرئاسي.

 

والأمر الثاني: دعوته إلى ملء هذا الفراغ بتشكيل «حكومة تتحمّل المسؤوليات وقادرة على مواجهة الأزمات»، أي حكومة سياسية بامتياز خلافاً للحكومة الحالية التي أوحى بعجزها عن مواجهة الأزمات.

 

والأمر الثالث: خشيته من فراغ رئاسي يُضاف إلى الفراغ الحكومي.

 

أما الثلاثية المُضمرة لنصرالله فهي: انتظاره الانتخابات النصفية الأميركية لمعرفة مصير الاتفاق النووي، انتظاره الانتخابات الإسرائيلية لمعرفة مصير الترسيم واستخراج الغاز، انتظاره طريقة خصومه لمواكبة الاستحقاق الرئاسي وما إذا كان في إمكانهم الوصول إلى وحدة صف ومرشح واحد من أجل أن يبني على الشيء مقتضاه.

 

ويَندرج موقف السيد نصرالله الداعي إلى تأليف حكومة كورقة بديلة في حال الفراغ الرئاسي في إطار السعي إلى إرضاء حليفه العهد لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول: نتيجة استياء الرئيس ميشال عون من «حزب الله» على خلفية تكليفه الرئيس نجيب ميقاتي من دون انتزاع تعهّد منه بتأليف حكومة، خصوصاً ان العهد في حاجة لحكومة في الأسابيع الأخيرة قبل انتهاء ولايته تُتيح له الدخول الى الاستحقاق الرئاسي من موقع متقدِّم ويحافظ فيها على مواقع قوته السلطوية.

 

السبب الثاني: في اعتبار انّ إرضاء العهد بحكومة يبقى أقل كلفة من خطوة غير دستورية قد يُقدِم عليها رئيس الجمهورية عشيّة مغادرته القصر الجمهوري وتُدخل البلاد في فوضى دستورية تضاف إلى عامل الفراغ المتمادي.

 

الهدف الثالث: تعويض النائب جبران باسيل حكومياً في حال استحال انتخابه رئاسياً، خصوصا انّ دخوله إلى الحكومة بعد خروجه منها على وقع ثورة 17 تشرين يعني، بالنسبة إليه، انتصارا هو في حاجة إليه، وتمهيداً متقدّماً لمعركته الرئاسية.

 

ولو كان «حزب الله» قادراً على حسم خياره الرئاسي لَما تردّد، لأنه من خلال هذا الحسم يلتقط المبادرة الرئاسية ويضع فريق المعارضة في موقع التعطيل، ولكنه ما زال غير قادر على الحسم إمّا بسبب عوامل انتظارية خارجية تتعلق بالانتخابات الأميركية والإسرائيلية ومصير المفاوضات النووية، وإمّا بفعل عوامل داخلية ترتبط بصعوبة إقناع حليفيه (باسيل وفرنجية) بانسحاب أحدهما للآخر او تأييدهما لخيار ثالث، وفي الحالتين انتقلت أولوية الحزب من رئاسية إلى حكومية، وهو يَتكئ على عجز المعارضة عن توحيد صفوفها والاتفاق على مرشح واحد، وفي حال نجحت بذلك سيعطِّل خيارها باستخدامه الثلث المعطِّل.

 

ولا يبدو أن «حزب الله» على عجلة من أمره لحسم خياره الرئاسي وكأنه يُمسك بورقتين ولكل ورقة ظروفها، فإذا تمّ الترسيم واستخراج الغاز يتبنّى ترشيح النائب باسيل باعتباره يكون قد ضَمنَ فَرملة الانهيار وخفض سعر الدولار ولم يعد يأبَه للمساعدات الخارجية ولا للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفي حال لم يتم الترسيم يلجأ إلى شخصية وسطية برعاية فرنسية تضمن له تنفيس الاحتقان في الداخل وإعادة الانفتاح مع الخارج.

 

ولا يهتم «حزب الله» لانتخاب رئيس للجمهورية من عدمه، إنما همّه يتركّز حول ثلاثة أمور أساسية:

الأمر الأول: الحفاظ على وحدة صفه السياسي كونه لا يحتمل بعد خسارته الانتخابات النيابية خسارته لتحالفاته السياسية على خلفيات سلطوية.

 

الأمر الثاني: مواصلة إمساكه بمفاصل السلطة عبر رئيس للجمهورية أو حكومة تصريف أعمال، لأنّ همه الأساسي ان تبقى الدولة تحت سيطرته منعاً لانكشافه ولاستخدام بعض مؤسساتها بتهديد خصومه السياسيين.

 

الأمر الثالث: تَجنُّب الفوضى الدستورية التي قد تُستخدم ضده بِفَرض البحث في نظام سياسي جديد برعاية دولية يفقد معه قدرته على السيطرة على القرار السياسي اللبناني.

 

وما يريد ان يتجنّبه «حزب الله» مع انتهاء ولاية حليفه العهد من خلال تشكيل حكومة سياسية يكمن في ثلاثة مطبّات أساسية:

ـ المطب الأوّل: أن يرفض الرئيس ميشال عون تَسلُّم حكومة الرئيس ميقاتي صلاحيات رئيس الجمهورية انطلاقاً من الموقف الذي أعلنه قبل الانتخابات النيابية بأشهر عدة من انّ صلاحيات الرئاسة الأولى لا يمكن ان تؤول إلى حكومة تصريف أعمال، وبالتالي إقدامه على تسليم صلاحيات الرئاسة إلى مرجعية عسكرية أو قضائية أو غيرهما سيُدخل البلاد في انقسام طائفي وسياسي وفوضى دستورية تُسرِّع في شطر الدولة وانهيار هيكلها نهائياً، الأمر الذي يريد تجنّبه تفادياً لخسارته ورقة الدولة التي تمنحه الغطاء الشرعي، وتخوِّله إدارة الملف اللبناني، وتحول دون انكفائه إلى داخل مربعه الشيعي. ولا يستطيع «حزب الله» ان يضمن عدم إقدام عون على خطوة من هذا القبيل في حال لم يضمن له في المقابل حكومة يرتاح إليها وله فيها الثلث المعطِّل، ما يعني انّ الحزب الذي كان يولي الانتخابات الرئاسية الأولوية ولا يضغط على ميقاتي من أجل تأليف حكومة سيبدِّل في تكتيكه السياسي ويتجه إلى ممارسة الضغوط على الرئيس المكلف من أجل تأليف حكومة يأخذ فيها بالاعتبار مصالح العهد وشروطه، ولكن هل سيكون ميقاتي في هذا الوارد ويخسر أوراقه داخل الشارع السني ومع المملكة العربية السعودية؟

 

ـ المطبّ الثاني، أن يسرِّع الفراغ الرئاسي بعد الحكومي في وتيرة الانهيار على وقع فراغ شامل وأزمة مالية خطيرة ومفتوحة، الأمر الذي يُخرج مبادرة إنتاج السلطة من أيدي اللبنانيين ويضعها في أيدي الخارج، ما يعني الذهاب إلى تسوية قد لا تكون بشروطه في حال عدم توقيع الاتفاق النووي، أي انه يخشى من ان تستخدم ورقة الفراغ ضده تمهيداً لإنتاج سلطة لا تناسبه، خصوصاً انه سيكون أمام خياري السيئ والأسوأ، إما الرضوخ لشروط الخارج بقيام سلطة لا تناسبه، أو الارتطام الكبير وفقدانه ورقة الدولة وعودة الوضع إلى ما قبل العام 1990. ولذلك، من مصلحته ان يضمن وجود حكومة سياسية تركز إلى وحدة صفّ 8 آذار وقوى أخرى في انتظار بلورة التفاهم الرئاسي.

 

ـ المطبّ الثالث، أن يعوِّم الفراغ الرئاسي مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي لمؤتمر دولي على خلفية الفراغ والانهيار والفوضى وخسارة المسيحيين مواقعهم الدستورية، وليس من مصلحته الدخول الدولي على الخط اللبناني في حال استمر الانقطاع الأميركي-الإيراني، لأن وضع اليد الدولية على لبنان سيكون ممكناً ويؤدي إلى ولادة نظام جديد تخسر معه طهران ورقتها اللبنانية.

 

وتجنّباً للمطبات الثلاثة يريد «حزب الله» إمّا انتزاع الورقة الرئاسية التي تضمن له ولاية جديدة، وهذا الأمر غير ممكن اليوم، وإمّا الإمساك بمفاصل السلطة عن طريق حكومة «حقيقية كاملة الصلاحيات»، وكأنّ الحكومة الحالية ليست حقيقية ولا كاملة الصلاحيات، والمقصود طبعاً حكومة بنصاب سياسي وقادرة على الاستحواذ على صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

ولكن السؤال الأساس الذي يطرح نفسه: هل يستطيع «حزب الله» تحقيق هدفه الحكومي بعد فشله في تحقيق هدفه الرئاسي؟

 

لا شك انّ مفتاح التأليف الأساسي هو في يد الرئيس المكلّف، ففي حال قرّر لسبب معيّن إهداء ورقة التأليف للحزب والعهد فإنّ الحكومة ستتألف، خصوصا ان النائب السابق وليد جنبلاط سيكون من المؤيدين تحت عنوان «الضرورات تبيح المحظورات»، بحجة ان الفراغ الشامل يمكن ان يقود إلى فوضى شاملة، وتجنّباً لهذه الفوضى لا بدّ من تأليفٍ تُحافظ فيه الدولة على توازنها واستقرارها النسبيين في انتظار الوصول إلى تفاهم رئاسي.