الحراك السياسي لتعبئة الفراغ.. بالفراغ
الملف الرئاسي بين مسارين.. في انتظار الحسم
يستحضر بعض العاملين على خط ملف رئاسة الجمهورية وقائع تاريخية لتأكيد وجهة نظرهم القائلة إن أي رئيس للجمهورية لم يستطع أن يحكم بمسيحيته، أو مارونيته، سواء في ظل دستور 1943 أو وفقاً لدستور الطائف.
يجزم هؤلاء أن كل رئيس للجمهورية اتخذ طرفاً تعطّلت لديه إمكانية الحكم، ذلك أن الرئاسة ليست على المسيحيين وليست على فريق من اللبنانيين، فالرئاسة هي لكل الجمهورية ولكل اللبنانيين.
ومهما كانت التطورات والتحولات فإن دور رئيس الجمهورية أن يبقى في الوسط، لأن أهمية رئيس الجمهورية أنه رمز وحدة البلاد، وهذه قوته، وعندما يصبح طرفاً يفقد هذه الرمزية. وأي رئيس يجب أن ينطلق من أنه ليس رئيساً للمسيحيين لأنه لا يمكنه حكم البلد.
بالتالي فإن الرؤساء الذين نجحوا في الحكم هم الذين حكموا بالوفاق بين اللبنانيين وكانوا حَكَماً لا طرفاً.
طبقاً لهذه الرؤية، فإن التقييم الموضوع للتعامل الداخلي مع ملف الرئاسة، ما زال قاصراً عن تلمس هذا المسار الذي يوصل رئيساً بتوافق لبناني، حتى ولو جاء بدفع خارجي. فالتأثير الخارجي تاريخياً في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان كان يراعي الحد الأدنى من التوافق الوطني، وعندما كان يختل هذا الميزان كان يؤدي إلى أزمة وطنية، والأمثلة على ذلك عديدة.
إلا أن لهذه الرؤية رأياً مناقضاً، خصوصاً بعد أن تكرّس، نظرياً، ترشيحان رئيسيان من فريق سياسي واحد، وإن كانت القوى الداعمة لكل منهما متداخلة من ضفتي الانقسام السياسي اللبناني.
ويقول أصحاب هذا الرأي إن «الجميع يعرف أنه إذا لم يكن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولو افترضنا أنه قَبِل بأن يتحول إلى ممر إلزامي، أي أن يرشح أو يسمي البديل. فمن هو البديل؟ الأرجح أن البديل لن يكون توافقياً بوجود رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. مع التذكير بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اعتبر تبني ترشيحي عون وفرنجية من قبل القوى الرئيسية في 14 آذار، هو تكريس بأن الرئيس المقبل سيكون من 8 آذار، وهذا يعني أن الرئيس التوافقي لم يعد موجوداً».
يعتبر هؤلاء أنه لا يمكن أن يأتي رئيس إلا بإجماع وطني، ولا يمكن أن يأتي رئيس من خارج إرادة قسم من اللبنانيين، لأن الرئيس هو الوحيد القادر على على استدعاء رؤساء السلطات الدستورية الأخرى، ومن موقعه وصلاحياته كونه رئيس كل المؤسسات بإمكانه أن يأتي بالجميع الى القصر الجمهوري وأن يدير حواراً مفتوحاً وفق جدول أعمال محدد، وله القدرة المعنوية والدستورية على إقناع الفرقاء بتوجهاته حول القضايا الخلافية، خاصة إذا كانت لمصلحة لبنان.
ويفترض أصحاب هذا التوجه أنه انطلاقاً من هذه الحقيقة فلا يُفترض أن تكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية لأن كل الحكومة له.
أما أصحاب وجهة النظر الثانية فيقاربون المسألة من زاوية مختلفة، وتحديداً من موقف «حزب الله»، ويقولون «لا أحد من السياسيين في لبنان يفهم كيف يفكر ويقرر حزب الله. السيد نصرالله ليس سياسياً تقليدياً، أي أنه رجل لا يبيع ولا يشتري بالثوابت، ربما في مفاوضات حول أسرى يحصل أخذ ورد وتنازلات، أما في القضايا الأساسية فهناك اتفاق مع ميشال عون ولن يفترقا، ومن يسمع ما يقوله الحزب وعون يفهم معنى أنهما لن يفترقا».
يؤكد هؤلاء أن السيد نصرالله لن يضغط على حلفائه في مسألة الرئاسة، ربما لأن الوقت لم يحن بعد، لكنهم يتوقعون أنه عندما يحين أوان الرئاسة فسيكون اللقاء الجامع للأقطاب في «8 آذار»، وعندها ستكون الكلمة الفيصل في حسم أمر الرئاسة.
تبعاً لذلك، فإن ملف الرئاسة مستقر بين مسارين، وإن كان هناك من يجزم أن الحسم لن يحصل قبل وضوح ملامح التسوية في سوريا، «وما عدا ذلك من حراك، أياً كان مستواه، فهو تعبئة وقت الفراغ، لكن الفراغ مستمر في الرئاسة».