وحده مسعى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، حرّك مياه الرئاسة الراكدة. يصف حراكه بأنّه أشبه بالتنقيب في الصخور. فعلاً، تكاد تكون محاولة محكومة بالإعدام، أقله في المدى المنظور، لكن لا بدّ من القيام بخطوة ما تكسر الجمود الحاصل، وسط تصحّر المبادرات التي من شأنها أنّ تنهي حالة الشغور.
يعرف الرجل كيف ومتى يتحرّك. والأهم، هو أنّ زعامته، غير القابلة للمساءلة، تسمح له بالتحرك في كلّ الاتجاهات. أن يخوض المغامرات من دون أن يرفّ له جفن القلق من تبعات اعتراضية من جانب بيئته. أن ينقلب على مواقفه وخياراته تحت عنوان البراغماتية والواقعية والخوف على المصير والتسويات التوافقية، إلى حدّ فعل الشيء ونقيضه. ولهذا تراه الأسرع في الانخراط في «المحرّمات» السياسية، لا سيما في اللحظات المفصلية.
هكذا، قرر القفز من مركب ميشال معوض، ولو أنّه سبق له أن تشاور معه في هذا الشأن باعتبار أنّ ترشيحه بلغ حائطاً مسدوداً، على حدّ قوله، ولا بدّ من العمل على تحقيق خرق ما. بنظره، يمكن لهذا الخرق أن يتحقق بعيداً عن «ترشيحات التحدي»، ويقصد بذلك كلّاً من معوض ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. ومع ذلك، ثمة من يعتبر أنّ خروجه من مربّع معوض ليس إلّا خطوة أولى في اعادة تموضعه النهائي التي قد تقوده حتماً إلى مربّع فرنجية، بمعيّة صديقه القديم، رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يزال حتى اللحظة يقول أمام زواره «لا مشكلة بيني وبين البيك».
فعلياً، لا أحد يملك جواباً على ما اذا كان انتقال جنبلاط إلى «الخطة ب» هو نهائي، أو مرحلي ذات طابع تمهيديّ. ولا يمكن التكهّن بماهية خطوته المقبلة ولو أنّه يصرّ حتى اللحظة على التأكيد أنّ السير بترشيح فرنجية غير وارد لكونه غير مقبول من فريق وازن من اللبنانيين. وعلى هذا الأساس طرح الخيارات الوسطية، من دون اقفال لائحة ترشيحاته التي يتصدّرها قائد الجيش جوزاف عون. وهو مقتنع أنّ الكفة ستطبش لمصلحة هذه القماشة من الترشيحات. لكنّ المتابعين للملف يعتقدون أنّ ساعة جنبلاط ستُضبط في النهاية على التوقيت السعودي. وجلّ ما يحصل هو من باب تقطيع الوقت لا أكثر.
وقد اكتسب اللقاء المسائي بين بري وجنبلاط أهمية بالغة لكونه تزامن مع تسريبات تفيد عن حماسة بري لتأمين 65 صوتاً لانتخاب فرنجية في وقت قريب، في ضوء التطورات الاقليمية المتسارعة التي تشي بامكانية اشتداد الأزمات الاقليمية أكثر وانحسار المساعي التفاوضية. يقول أصحاب وجهة النظر هذه إنّ قوى الثامن من آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي قد يفعّل اتصالاته لتأمين أكثرية تتيح لفرنجية دخول القصر رئيساً في وقت ليس ببعيد، أسوة بالأكثرية التي ساهمت في إعادة انتخاب بري رئيساً للبرلمان. ما يعني الاستعانة بأصوات «اللقاء الديموقراطي»، وذلك لضمان تأمين الرئاسة الأولى في حال أخذت تطورات المنطقة منحى سلبياً غير مضبوط. ومن بعدها يعود البحث عن سلّة تسويات اقليمية تقي العهد الجديد.
وفي هذا السياق، يقول المطلعون على موقف الثنائي إنّ الأخير متحمّس لهذا السيناريو لكنه في الوقت نفسه متهيّب منه، ليضيفوا أنّه في جعبة فرنجية ما يكفيه من أصوات (من دون أصوات «اللقاء الديموقراطي») تسمح له بأن يصير رئيساً، لكنّه يفضّل التريث لتأمين غطاء اقليمي لعهده لكي لا يُحرق في الأيام الأولى لولايته بفعل تمادي الانهيار المالي والاجتماعي.
بالتوازي، يشير المطلعون على لقاء عين التينة الى أنّ بري كان واضحاً في تأكيده أنّ خيار فرنجية لا يزال هو الأول بالنسبة للثنائي الشيعي الذي لم يستنفد كلّ محاولاته لتأمين وصوله إلى بعبدا رئيساً، وبالتالي لا امكانية للنقاش في مرشّح بديل طالما أنّ الأفق لم يقفل بعد، فيما شرح جنبلاط وفق المطلعين حيثيات تفضيله الخيار الوسطي من الترشيحات بكونها «آخر الدواء». و»اذا مش الاثنين، على الأكيد الخميس»، فلماذا التأخير؟
بالنتيجة، لا مؤشرات جدية توحي بأنّ طبخة ترئيس فرنجية وضعت على نار حامية. فيما مبادرة جنبلاط بالتنقّل بين المعسكرين منحت بري تمريرة بإمكانه استخدامها للتطنيش على الدعوة لعقد جلسة انتخابية في القريب العاجل خصوصاً وأنّ «اللقاء الديموقراطي» لوّح بامكانية عدم المشاركة في جلسات باتت فولكلورية. ومع ذلك يجوز السؤال مع تحديد موعد لاجتماع باريس الخماسي يوم 6 شباط، هل سيقود بري وجنبلاط انقلاب 6 شباط الرئاسي؟