Site icon IMLebanon

لم يعد إسم الرئيس قضية… بل قانون الإنتخاب!

بعد فراغ طال بلا أفق، و«إعلان نيات» بلا نية التنازل والإتفاق على رئيس للجمهورية، وبعدما اكتفت طاولة الحوار بتعداد مواصفات الرئيس من دون تسميته، جاءت الوصفة من الخارج باتفاق أميركي – إيراني – سعودي، وبحماس «برّي – جنبلاطي – حريري»، وبغياب أصحاب العلاقة الذين لم يُحسنوا قراءة الأحداث ولم يعطوا للوقت أيّ قيمة أو اعتبار، وتصرّفوا كأنّ الزمن ينتظرهم إلى ما شاء الله، فلم يستيقظوا من سباتهم إلّا على وقع صدمة الإختيار.

مللنا المراوحة والمماطلة والإستهتار، مللنا الشغور واليأس والإنتظار. نطمئنكم يا زعماءنا الأبرار، لم يعد يهمّ الناس من يصل إلى رئاسة الجمهورية، إن كان النائب سليمان فرنجية أو غيره. فكلكم من طينة واحدة ومدرسة واحدة. تختلفون وتعارضون عندما لا تتحقّق مصالحكم، وتتفقون وتؤيدون وترضخون عندما تتأمّن مصالحكم.

لم يعد يهمّ الناس استعلاء «8 آذار» ولا تصدُّع «14 آذار»، ولا المبادئ والثوابت وكلّ شعارات السيادة والحرية والإستقلال التي «غسلتم أدمغتنا» بها طوال عقد من الزمن. لم يعد سلاح «حزب الله» مشكلة، ولا التدخل فـي سوريا مشكلة. لم يعد النظام في سوريا وحلفاؤه مشكلة، ولا تبرئة ميشال سماحة مشكلة. كما لم تعد قرارات المحكمة الدولية مشكلة.

فلتحكم المحكمة بما تريد، وتدين من تريد، وتبرّئ من تريد، فهذا آخر همّ عندكم وعندنا. عند مصالحكم الشخصية والفئوية تسقط كل التحفظات والشعارات، وتسقط معها النضالات والتضحيات كافة. المهمّ الوصول إلى الكرسي والسلطة والنفوذ، وكل ما بقي، تفاصيل تافهة لا قيمة لها ولا معنى.

مرّ «ونستون تشرشل» بقبر رجل كُتب عليه: هنا يرقد الرجل السياسي الصادق، فقال: عجبتُ كيف يجتمع الإثنان معاً في شخص واحد». ونحن بدورنا نتعجب كيف يتخاصم الناس ويتقاتلون ويتذابحون من أجل سياسي أو زعيم.

فليأت إلى رئاسة الجمهورية أيّ كان، وليأت إلى رئاسة الحكومة أيّ كان، ولتُشكَّل الحكومة من جميع الفاسدين والمفسدين وكل أصحاب المقامات والثروات، فقد تعوّدنا على وجوههم جميعاً، وأحبهم شعبنا كثيراً، وصفّق لهم طويلاً، ورفع صورهم وراياتهم في بيوتهم ومكاتبهم وشوارعهم وفي كل مكان، حتى أضحوا لهم آلهة آخر الزمان. معه حق «محمود درويش» حين قال: «تُرانا هل نحتاج إلى وطن جديد… أم تُراه وطننا مَن يحتاج إلى شعب جديد»؟

قال المرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية: «لا يمكن أن أقبل بقانون للإنتخابات ضد مصلحة المسيحيين. أنا كرئيس للجمهورية سأعمل على قانون يُنصف المسيحيين». أيّ قانون يُنصف المسيحيين يا سليمان بيك؟ وأيّ قانون يحقّق لهم العدالة والمناصفة والتمثيل الصحيح؟

إذا كان هدف القانون الجديد المناصفة الحقيقية التي نصّ عليها الدستور، والتي بقيت حبراً على ورق طوال ثلاثين سنة، فلا يوجد سوى «القانون الأرثوذكسي» الذي يعطي المسيحيين 64 نائباً بأصواتهم الذاتية. ويليه نظام الدائرة الصغرى والصوت الواحد لمرشح واحد، وبعده نظام الدائرة الفردية. وما عدا ذلك من قوانين تصبّ كلها في مصلحة الطائفتين السنية والشيعية.

فكل قانون يلحظ لوائح إنتخابية ودوائر وسطى أو كبرى، يعني محادل وبوسطات وقضاء على الصوت المسيحي، إن كان وفْق النظام النسبي أو الأكثري أو المختلط، ويُعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها مع بعض التعديلات الطفيفة التي لا تغيّر شيئاً.

وفي ظلّ غياب الأحزاب الوطنية العابرة للطوائف، لا يمكن اعتماد النظام النسبي، لأنّ الواقع الديموغرافي للمسيحيين والتراجع المخيف في عدد الولادات، يجعلهم يوماً بعد يوم بأمسّ الحاجة إلى الدوائر الفردية أو الصغرى ليتمكّنوا من اختيار ممثليهم الحقيقيين. فنسبة 33 أو 34 في المئة من الشعب لا يمكنها أن تأتي بـ 64 نائباً ولا حتى بـ 50 نائباً فـي لوائح فضفاضة يفرضها زعماء الأكثريات الكبيرة وأصحاب السلطة والمال.

فإلى لجنة قانون الإنتخاب نقول: أيها السادة النواب، نذكّركم، نحن لسنا في سويسرا أو فنلندا أو السويد، نحن هنا في بلد الـ19 طائفة، حيث ارتضينا الديموقراطية الطوائفية المبنية على المناصفة لا على النسبية، وكل قانون انتخاب لا يأخذ في الاعتبار هذا الواقع يُسبّب فتنة وظلماً وقهراً. إنّ النسبية في واقعنا الديموغرافي والطائفي وفي غياب الأحزاب الوطنية، كثَوب صُمّم لغير وطن، وهي بعيدة أشدّ البعد عن تحقيق المناصفة والتمثيل الصحيح.

يقول السيد حسن نصرالله، وهو على حق: «قانون الإنتخاب هو العامل الأساس في إعادة تكوين السلطة، قانون الإنتخاب يعني مصير البلد، قانون الإنتخاب يعني لمَن تُسلّم مصيرك ودمك وعرضك ووجودك ومستقبلك وسيادتك وحريتك واستقلالك». إذاً، إنتبهوا أيها السادة أعضاء لجنة قانون الإنتخاب، فلن يقبل أحد بتسليم دمه وعرضه ووجوده «لأيّ أحد».