تعود نغمة الصلاحيات مع كل استحقاق دستوري، ويرتفع منسوب التحسّر على فقدانها عند استحقاق إنتخاب رئيس الجمهورية.
ذهب المسيحيون إلى توقيع «اتفاق الطائف» وكأنهم خسروا الحرب، يومها كان المجتمع المسيحي مدمّراً بسبب حروب رئيس الحكومة الإنتقالية العماد ميشال عون، من ثمّ تدمّر أكثر بعد شنه حرب «الإلغاء» ضدّ «القوات اللبنانية».
لا يستطيع أحد إنكار أنّ رئيس الجمهورية فقد عدداً كبيراً من صلاحياته كانت بحوزته بعد استقلال 1943، وإذا كان البعض يقول إنّ هذه الصلاحيات لم يكن يستعملها، إلا أنّ المنطق يقول إن التهديد بالقوة أحياناً أفعل من استعمالها، وإنّ الكم الهائل من الصلاحيات يجعل الجميع يهاب الرئيس حتى لو لم يستعملها.
ولعلّ صلاحية حلّ مجلسَي النواب والوزراء وكذلك إجبار رئيس الجمهورية بمهلة 15 يوماً لتوقيع المراسيم وإلا تصبح نافذة من أهم الصلاحيات التي سُلبت من الرئيس، لذلك فإن هناك بعض الصلاحيات التي يجب إعادتها ليستقيم الحكم في لبنان.
من جهة ثانية، ليست المسألة فقط بسلب الصلاحيات، بل في زمن ما بعد الإستقلال كان الموارنة أقوياء ومتماسكين ومتحكمين باللعبة، لذلك كانوا يملكون فائض حكم، أما بعد «الطائف» وحتى الإنسحاب السوري، فإن المكوّن المسيحي ضعف، ولو كان الرئيس يملك الصلاحيات الكافية فإنه غير قادر على فعل شيء.
وفي السياق، فإن الدروز حرموا بعد «الطائف»، ليس بموجب النص بل من خلال التطبيق الأعوج، من الحقيبة السيادية ولم يدخلوا نادي الرؤساء على كافة أنواعها، لكن حراك رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط وضع الدروز في صلب المعادلة، حتى أن تأثيرهم يفوق تأثير الموارنة، وغير الموارنة، في بعض الأحيان. ولم يستمد المكوّن الشيعي قوته الحالية وفائضها من صلاحيات رئيس مجلس النواب، بل إن الدعم الإيراني أولاً واستفادة الرئيس نبيه بري من الإحتلال السوري وغياب فريق يواجه التمدد الشيعي، كلها عوامل جعلت من الشيعة الطائفة التي تحكم لبنان.
ومن جهة أخرى، فإن الإتهامات بأن صلاحيات رئيس الجمهورية باتت في يد رئيس الحكومة، وعلى رغم عدم دقة هذه النظرية لأن «الطائف» وضع الصلاحيات في يد مجلس الوزراء مجتمعاً، إلا أن السنّة يعيشون في الزمن الحالي إحباطاً شبيهاً بالإحباط المسيحي في فترة الإحتلال السوري، لذلك فإن الصلاحيات لم تؤثّر على شعور المكوّن المسيحي بالغبن. وأمام كل هذه الوقائع، فإن لرئيس الجمهورية اثنتين من أهم الصلاحيات، الأولى داخلية وتتمثّل بعدم قدرة أحد على تأليف حكومة إذا لم تنل توقيع رئيس الجمهورية وموافقته، لذلك يستطيع فرض الحكومة التي يراها مناسبة، والثانية خارجية حيث منح الدستور الرئيس حق التفاوض باسم لبنان وتوقيع المعاهدات الخارجية، أي إدارة سياسة لبنان الخارجية.
لكن ما يحصل وخصوصاً في عهد عون أن الأخير سلّم البلد لـ»حزب الله» وسمح له بأن يرسم سياسة لبنان الخارجية، فعاشت البلاد في العزلة وخسر لبنان صداقاته العربية والغربية، لذلك فإن للرئيس أكبر تأثير على سياسة البلد وكل ما يُحكى عن أنه بات مثل ملكة بريطانيا لا أساس له من الصحة، لأن الممارسات والوقائع تثبت عكس ذلك. وإلا لماذا هذا الإستقتال على فرض رئيس ومنع انتخاب رئيس؟