يصادف اليوم السبت الخامس من تشرين الثاني الذكرى السابعة والعشرين للتّصديق على وثيقة الوفاق الوطني «الطائف»، من قبل المجلس النيابي المنعقد في مطار القليعات في الخامس من تشرين الثاني 1989 لإقرار الوثيقة وانتخاب رئيس للجمهورية.
سبعة وعشرون عاماً لم تتوقف فيها محاولات إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، أيام النّزاع والانقسام وبأشكال مختلفة. إلاّ أنّ الوحدة المجتمعية الوطنية التي حفظها اتفاق الطائف كانت أقوى بكثير من أدوات الوصاية ومكوّنات السّلطة وتفرّعاتها. هذا بالإضافة إلى ما شهدته هذه المسيرة من مطبّات وغلبة وإقصاء واعتقال وابتزاز. إلاّ أنّ حركة المجتمع من خارج السلطة كانت بمثابة سيلٍ عارم ألزم مكوّنات السلطة على التكيّف معها وليس العكس، واستطاعت هذه القوى المجتمعية أن تحقّق إنجازات إستراتيجية في إعادة الإعمار والوحدة المجتمعية الوطنية.
سمعنا الكثير من المفردات والأطروحات في الأيام والأسابيع الماضية، والتي تدّعي الخبرة والمعرفة في الحكم وأسبابه ومعوقاته، كما تدّعي بأنها تعبّر عما يريده عموم الناس على قاعدة تفكّك المجتمع اللبناني إلى قبائل وطوائف ومذاهب، نافيةً نفياً قاطعاً وجود مجتمع وطني او مواطن لبناني.
نستطيع القول أنّ ملء الشغور الرئاسي وعودة انتظام الحياة الوطنية قد لاقيا استجابةً كبيرةً، لا بل هائلةً، لدى عموم الناس ولدى كلّ المكوّنات الوطنية بدون استثناء. وهذا يضع هؤلاء الخبراء خارج المكان والزمان وعدم الفهم في أسباب الدولة وضروراتها وفي مقدّمتها الوحدة المجتمعية، لأنّ وحدة الدولة هي انعكاس لوحدة المجتمع. وإنّ ما نشهده حولنا من نزاعات ما هو إلاّ نتيجة للتفكّك المجتمعي الذي عرفناه جيّداً في لبنان أيام النزاع.
اختُتِم الأسبوع الأخير من العام السابع والعشرين لوثيقة الوفاق الوطني بالتّأكيد عليها كعقد إجتماعي وطني ضامن لوجود عموم اللبنانيّين في دولتهم وعلى أرضهم وكان أسبوع الرؤساء بامتياز، إذ بدأ بانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، وعودة رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري إلى حضوره ودوره في ادارة البرلمان بالاضافة الى عملية الاستشارات النيابية الملزمة، والتي جاء بنتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري بإجماع وطني يعكس الوحدة المجتمعية اللبنانية، أي أنّ مكوّنات السّلطة رضخت لإرادة عموم اللبنانيين وليس العكس، وليس كما كنّا خلال سنوات الشغور الماضية.
إنّ الرئاسات الثلاث ومعها عموم اللبنانيين تعترف بما قدّمه الرئيس تمّام سلام خلال هذه الفترة العصيبة، إذ كان خير من ائتُمن على صلاحيات رئيس الجمهورية، بتوافق مجلس الوزراء مجتمعاً، بالإضافة إلى عدم استخدام رئاسة الحكومة في الكيد السياسي والاستقطاب الشخصي، وأيضاً على حفظ مكانة رئيس مجلس النواب والمجلس النيابي ودوره في التشريع والرقابة من خلال احترام حدود الصلاحيات وعلى قاعدة الفصل بين السلطات.
لقد توّج الرئيس تمّام سلام مسيرته الاستثنائية خلال الاستشارات النيابية الملزمة عندما عبّر بأنّه أعاد الأمانة إلى صاحب الأمانة الرئيس سعد الحريري، وكان ذلك موقفاً وطنيّاً وأخلاقيّاً وسياسيّاً بامتياز.