Site icon IMLebanon

بين الرئيسَين

 

لا يذهب القارئ بعيداً، نقصد بالرئيسَين هنا المرجعيتَين المارونيتَين الزمنيّة المتمثّلة برئيس الجمهورية والروحيّة المتمثّلة بالبطريرك الماروني، إذ قلّما عرفت العلاقة بينهما هدنةً طويلة. وهذه حالٌ تاريخية في لبنان تعود إلى ما قبل الاستقلال، بل إلى ما قبل الانتداب والمتصرّفية.

 

فمنذ أيام قائمقمام النصارى يوسف بيك كرم والبطريرك المثلّث الرحمات بولس مسعد وحتى اليوم مع الرئيس العماد ميشال عون والكاردينال البطريرك بشارة الراعي لا تزال الحال إياها مروراً بالرئيس بشارة الخوري والبطريرك أنطون عريضة، والرئيس كميل شمعون والبطريرك بولس المعوشي، والرئيس اللواء فؤاد شهاب والبطريرك المعوشي نفسه، ورئيس الحكومة قائد الجيش ذاته والبطريرك صفير، والرئيس العماد إميل لحود وصفير أيضاً، ما يقتضي بحثاً عميقاً ودراسة دقيقة لتفسير هذه الظاهرة، لسنا نحن من يتولاها، فلها أربابها.

 

في الوقائع التاريخية أن نفي يوسف بيك كرم إلى خارج لبنان في القرن التاسع عشر ما كان ليتحقّق لولا توافق قنصل فرنسا مع البطريرك مسعد. وفي سياقٍ مماثل، يذهب البعض إلى أنه لولا موافقة البطريرك صفير، بالتوافق مع الجانب الغربي، ممثلاً خصوصاً بالولايات المتحدة الأميركية، لما نُفي العماد عون إلى فرنسا.

 

في هذا المجال، أسترجع من الذاكرة ما رواه المُثلث الرحمات المطران رولان أبو جودة، خلال غداءٍ في منطقة «أبو فرّاعة»، في جرود الديمان، بحضور نخبة محترمة من أبناء هذه البلدة الجبليّة الرائعة، حاضنة المقرّ البطريركي الصيفي والمُشرفة على وادي القدّيسين. قال سيادته، رحمه الله، أنه ندب نفسه إلى مهمّة وساطة بين بكركي وقصر بعبدا أيام الاقتتال بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية الذي قصم ظهر لبنان والمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً وأدى إلى أضرارٍ هائلة أبرزها سلبيتان تاريخيتان: هجرة مسيحيّة مروّعة وانتزاع صلاحيات رئيس الجمهورية منه.

 

قال أبو جودة: قصدت «الجنرال» وأطلعته على مهمّتي وسألته: دولتك ماذا تُريد من غبطته. فأجابني: أريد أمراً واحداً هو أنه عندما يتحدّث عن هذا الصراع، يستخدم عبارة «المُقاتلين من الجانبَين». فليكن رأيه كما يشاء في الجيش وكما يُحب في القوات، ولكن عساه يقول: «بين الجيش والقوات»، وليمتدح القوات بما طاب له، ولكن لينزع صفة المقاتلين عن عناصر الجيش.

 

وختم المطران أبو جودة قائلاً: عدت مرتاحاً وفي ظني أن مهمّتي نجحت، فما طلبه الجنرال كان أقل بكثير مما توقّعت، وأطلعت البطريرك صفير على النتيجة. فلم يُعلّق، وعلى الأثر استدعى غبطته الإعلاميين في صرح بكركي وعقد مؤتمراً صحافياً لم يكن مُقرراً سابقاً، واستهّله قائلاً: إن المقاتلين من الجانبَين…