في حسّ وطني مرهف عرفت به مجلة الأمن العام منذ صدورها، خصصت غلافها ومساحة واسعة من صفحاتها للحديث عن أزمة الصحافة في لبنان. ولم يأت هذا الاختيار من فراغ، ذلك ان الفكر الاستراتيجي الأمني للمؤسسة التي يقودها اللواء عباس ابراهيم المدير العام للأمن العام، يرتكز على نظرية تقول ان عافية الأمن هي من عافية المجتمع بكل مكوناته. بهذا الحسّ الوطني المرهف، وبذكاء مهني احترافي وملتزم خصص رئيس تحرير مجلة الأمن العام العميد منير عقيقي غلاف المجلة ومساحة واسعة من صفحاتها للحديث عن أزمة الصحافة بصفتها أزمة مجتمع، كما جاء في افتتاحية عدد شباط / فبراير من المجلة، وهذه المعالجة لأزمة الصحافة في لبنان حاولت النفاذ الى عمق المشكلة، وتخطت الأسباب المحلية اللبنانية الى أزمة الصحافة العربية بصفة عامة على خصوصيتها، دون فصل هذه الحالة اللبنانية والعربية لأزمة الصحافة، عن مشكلة عامة تطال الصحافة الورقية في العالم، والمرتبطة جميعها بظاهرة تطور ثورة المعلوماتية وظهور الصحافة الالكترونية على نطاق واسع في العالم، اضافة الى أسباب ومعوقات أخرى…
***
صحيح ان أسباب أزمة الصحافة اللبنانية تعود الى الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية وضمور الحياة السياسية، بما أوصل الصحف الى مستويات متقدمة من التأزم، وهي تصارع للبقاء في وجه الصحافة الالكترونية، في ظلّ غياب مصادر التمويل وتراجع المعلنين وبروز الأزمة المالية العالمية… ولكن لماذا تتقهقر الصحافة العربية التي لا تنقصها الامكانات المادية؟ في رؤية المقال الافتتاحي لمجلة الأمن العام فان ما حكم انهيار الصحف المطبوعة في العالم العربي ارتباطه بالحروب، وانقطاع الخدمات الالكترونية وترديها وفقدان الصدقية، واحتجاب الصحف الاستقصائية في الأخبار، وظهور بعض الصحف وكأنها بيانات حزبية وفرمانات… هذا اضافة الى خلل بنيوي في ادارات صحف كثيرة، لبنانيا وعربيا، وفي هيكليتها الادارية والاعلانية والانتاجية وغير ذلك… ويوضح المقال الافتتاحي لمجلة الأمن العام ان الهدف من تخصيص الحديث عن هذا الملف، البحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها الحؤول دون انهيار قطاع رئيسي ومهمّ في المجتمع المدني….
***
تضمّن الملف حوارات مع المرجعيات المعنية في الصحافة اللبنانية، انطلاقا من اقفال صحيفة كانت عزيزة على قلوب شريحة واسعة من القراء السفير. وهذا الواقع يطرح عمليا أوضاع الصحف التي لا تزال تكافح من أجل الاستمرار، وغالبيتها يشمل صحيفة واحدة فقط، فكيف بدار صحافية عريقة تصدر صحفا ومجلات عديدة متخصصة، وتأسست مع حدث تاريخي نقل لبنان من الانتداب الأجنبي الى الاستقلال الناجز… وكأن لسان حالها يقول: تسألين عن سقمي؟ صحّتي هي العجب! واذا كانت أزمة الصحافة هي أزمة مجتمع، فليس من الممكن الانتظار الى حين اصلاح المجتمع، للمباشرة في اصلاح أوضاع الصحافة. واذا كان ما يدعو الى التفاؤل انبلاج فجر عهد جديد في لبنان، يتطلع الى اصلاح جذري وشامل يقود الى اعادة بناء الدولة الحديثة والمجتمع ككل في لبنان، بل ويتطلع أيضا الى دور فاعل في احياء أواصر التضامن والتكافل بين العرب، فان هذا الأمر يوجب الانطلاق من مكان ما، ومن نقطة ما للارتقاء، وصعود الجبل من جديد انطلاقا من سفحه أو قعره! والحل الأنسب هو المبادرة باغاثة الصحافة واصلاح شأنها، وضخ عناصر القوة فيها، لتكون هي النور الكاشف والمضيء أمام رواد الاصلاح الجدد، لمعالم طريق النهوض…