IMLebanon

“النقيب” حيّ فينا

 

لا المكان يشبه القاعة الكبرى في نقابة محرري الصِحافة اللبنانية في الأشرفية، ولا الزمان يشبه ثمانينات القرن الماضي ولا التسعينات ولا حتى العقد الأوّل من القرن العشرين، ولا أيّ من صناديق الإقتراع الشفافة يشبه صندوق “النقيب” الخشبي الذي كان يخرج من “المستودع” كل ثلاثة أعوام مرة. لكنني شعرت وأنا أدخل إلى مقرّ الإتحاد العمالي العام، حيث جرت إنتخابات مجلس نقابة المحررين، أنني سألتقي ملحم كرم أو سأسمع صوته المبتهج بلقاء الأحبة.

 

بعد وفاة “النقيب” كرم في العام 2010 انتُخب الياس عون لدورتين، وهو مبدئياً صِحافي، لكنني لم أقرأ له سطراً منذ أن تعلّمت ربط الأحرف ببعضها لتركيب أسماء وأدوات جر وافعال وحتى بلوغي هذا العمر غير المحدد. ظِلّ النقيب ظَلّ يحوم فوق خليفته. بعد عون آل موقع النقيب إلى الزميل جوزف القصيفي في منافسة ما وُجدت في خلال نصف قرن. عشنا ورأينا انتخابات ديموقرطية على مستوى نقابتنا. وعلى الرغم من هذا التحوّل الصحّي، كنتُ أشعر أن النقيب الراحل حي فينا. يدير اللعبة من “فوق”، برعايته اللائحة الأوفر حظّاً وتبنيها وتوفير الدعم المعنوي لها. وأكثر من ذلك تخيّلت أنه اتصل بالزملاء جميعهم لدعوتهم شخصياً إلى انتخابات النقابة ولو خارج التقليد القديم الأقرب إلى التزكية.

 

حرص النقيب الراحل، قبيل استحقاقات التزكية، على الإتصال شخصياً بكل المنتسبين إلى النقابة، بمعزل عما إذا كانوا صحافيين أو يمتهنون عملاً آخر. وفحوى الإتصال: “حضرة الزميل عاوزينك بكرا شي 10 دقايق”. لا حاجة للتفسير. إنه تقليد. إنتخب النقيب (ولائحته) وامشِ. لم أخذل كرم مرة بالحضور. لكني كنتُ أتعمد شطب اسمه. آخر همه كان. في إحدى الدورات لم يرضَ سوى بإعلان حصوله على نسبة مائة بالمائة. وفي الدورة الأخيرة قرأت أن إجماعاً حصل على التجديد له من دون انتخابات. هكذا بكل بساطة.

 

جاءت معركة نقابة المحررين أمس، بعد أيام قليلة على اشتباكات أطباء الأسنان التي اقتصرت أضرارها على الصناديق. الحمد لله حصلت انتخاباتنا كما يُفترض أن تحصل في جوّ ودي وحميم ومن دون زكزكات. كنا في يوم الإنتخاب كما لو أننا في سهرة بلا أنخاب. كل زميل آت من “معسكر” والكل متحالف مع الكل قلبياً. قبل أداء الواجب إلتقيت النقيب جوزف القصيفي كمرشح. تحدثنا لدقائق. للأمانة لم يتمنّ عليّ شيئاً وللأمانة أكثر ما بحت أمامه بنواياي. إلتقيت كذلك زملاء مرشحين وناخبين بعد أعوام من البُعد بعضنا عن بعض. خلف العازل التقيت قناعتي. ووزعت “إكسات” على ورقة الإقتراع. وإلى اللقاء بعد ثلاثة أعوام.