IMLebanon

في اليوم العالمي لحرية الصحافة: خوف ومحاباة… الصحافيون بلا حماية

 

 

 

“مزاولة الصحافة من دون خوف أو محاباة” هو عنوان اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام. عنوان يبدو صعب التطبيق حول العالم، فكيف بتطبيقه في لبنان؟! في بلد يتخوّف فيه صحافيوه المستقلّون من تضييق هامش الحرية والانتهاكات والاعتداءات التي تطالهم من مسؤولين ومواطنين وقوى أمنية. في حين يبدو القانون عاجزاً عن حماية الصحافيين والدفاع عنهم. ويتقصّد المسؤولون تحويل الصحافيين الذين لا يكتبون ما يفضحهم إلى محاكم غير محكمة المطبوعات، بهدف ترهيبهم ودفعهم إلى ممارسة رقابة ذاتية على أعمالهم في ما بعد. أو قد تكلّف أجهزة أمنية بملاحقة صحافيين ومحاكمتهم. وفي وقت ينتظر فيه الصحافيون منذ سنوات إقرار قانون جديد يحمي حريتهم بممارسة المهنة والتعبير ويؤمّن حمايتهم، تبدو نقابتا الصحافة والمحررين بعيدتين عن هموم الصحافيين. بل وتبدوان أقرب إلى أحضان السلطة، ولا تدفعان باتجاه تحقيق مطالب الصحافيين وحمايتهم؟ هو واقع يضعف السلطة الرابعة، ويفرض الخوف على زملاء كثر. فيما يختار إعلاميون آخرون محاباة السلطة، بحثاً عن مكاسب وتسهيلات ومصادر تمكنهم من الحصول على معلومات ليعدّوا موادهم، أو تمنحهم الحماية وبعض المكاسب. بينما ترفض السلطة تعديل قانون الإعلام بما يحمي العاملين بالمهنة، بحثاً عما يحمي مصالحها.

 

وبعد أكثر من عشر سنوات من الدراسة، لم تشرّع السّلطة قانوناً “جديداً” للإعلام. عشر سنوات شهد فيها الإعلام ثورة رقمية، وتغيّرات كبيرة لم تدفع بالمشرّع لإنجاز واجبه. وظلّ يتغنى بالحريّة من دون أن يمنح ضمانات للصحافيين الذين يمارسونها. ما يدلّ أن لا جديد في إعلان وزيرة الإعلام، منال عبد الصمد، التوجه قريباً إلى الجسم الإعلامي كشريك للوقوف على رأيه بالتعديلات التي تعمل عليها الوزارة لتعديل قانون الإعلام. بانتظار القيام بخطوات عملية تحمل جديداً.

 

وكانت مؤسسة “مهارات” قد اقترحت “خريطة لإصلاح الإعلام في لبنان” ووضعتها بتصرف المعنيين. وأوصت الخريطة بتعديلات على القانون تشمل إلغاء عقوبة الحبس في جميع قضايا التعبير عن الرأي، واعتماد صياغة دقيقة للنصوص التي تجيز الملاحقة في قضايا تعكير السلام العام وإثارة النعرات الطائفية. وتعديل النصوص التي تجيز توقيف الإعلاميين من غير الصحافيين المنتسبين إلى نقابة المحررين على ذمة التحقيق. إضافة لغيرها من التعديلات التي تزيد هامش حماية الصحافيين وحريتهم.

 

وتؤكد مديرة البرامج في المؤسسة، ليال بهمن، لـ “نداء الوطن” أن المشروع لا يزال عالقاً في لجنة الإدارة والعدل، وأن المؤسسة لديها الكثير من الملاحظات على المشروع. وتشير بهمن إلى أن لدى “مهارات” مآخذ على البيان الوزاري الذي تحدّث عن وضع مشروع قانون جديد للإعلام. “اعتبرنا أن لا تنسيق بين المؤسسات العامة. إذ كان من المفترض التنسيق بين المؤسسات والاطلاع على اقتراح القانون العالق منذ عشر سنوات في مجلس النواب بدل إعداد قانون جديد”.

 

وبينما كان الصحافيون يتعرضون لاعتداءات بالضرب من قوى أمنية ومواطنين، ولاستدعاءات إلى المحاكم، انبثق عن انتفاضة تشرين تجمّع لصحافيين باسم “تجمع النقابة البديلة”. تجمّع قرّر رفع الصوت ضد ممارسات السلطة وقمع الإعلاميين، وصنّف النقابتين من ضمن أدواتها.

 

تشخّص الصحافية دجى داود، إحدى عضوات التجمع، لـ”نداء الوطن” المشكلة كما تراها. “فالمشكلة الأساسية أن القوانين لا تكرّس حرية الصحافة، من وضعها هم من يفرضون سلطتهم على الصحافة وهم جزء من المشكلة في القطاع، ومساهمون في تقييد حرية الصحافة عبر فرض سلطة رجال السياسة والأمن والمال ورأيهم وروايتهم على الصحافة في لبنان، بدل صوت الناس وصوت الحقيقة”.

 

وترى داود أن نقابة الصحافة، أي نقابة أصحاب المؤسسات، تفرض بالقانون سيطرتها التامة على نقابة المحررين. “إذ يفترض بنقابة المحررين أن تمثّل العاملين، مؤخراً بدأ صوت النقابة يعلو لكن في أماكن لا دخل لها فيها، كالإعلام الإلكتروني الذي يشهد الآن محاولة حثيثة من الدولة اللبنانية لفرض السيطرة ووضع اليد عليه، لأنه أكثر قطاع ينتج مواد مستقلّة وحرة”.

 

ترى الصحافية أن نقابة المحررين معطلة “لأن مواقفها دائماً محابية للسلطة وتمرر ما تريده. بينما نحن في مكان آخر، فهذه السلطة تؤذينا وتؤذي ممارستنا للمهنة. تمنعنا من القيام بعملنا تعتدي علينا بالضرب والاعتقال والاستدعاءات بدل استدعاء الفاسدين”.

 

تنتقد الزميلة تقصير نقابة المحررين، وترى أن الرأي العام عادة ما يسبقها في استنكار الاعتداءات على الصحافيين ورفضها، لتتبعه هي في ما بعد، بدل أن تقوم هي بتحريكه وأن تسلط الضوء على الانتهاكات. “وحتى الإجراءات التي تقول النقابة أنها ستقوم بها هي إجراءات مقيدة، نحن كصحافيين يمكننا القيام بها من دون جسم نقابي. لا بل أسسنا تجمعاً للصحافيين الأحرار الذين يريدون الحديث عن الناس وباسمهم، وأن يعبروا بحرية عن آرائهم، ويرفضوا القمع لانه لا يمكن لمجتمع أن يكون حراً وأن ينال حقوقه من دون أن تكون الصحافة حرة”.

 

كذلك تلفت داود إلى تفريخ النقابات في القطاع الإعلامي بحسب فئات العمل (مصورين، غرافيك، محررين…) بهدف شرذمة العاملين وتقسيمهم لفئات وجعل كل فئة من فئات العمل الإعلامي تابعة لجهة سياسية، وتحويل النقابات إلى صورية تمنع العمال من الدفاع عن حقوقهم. وضمن مشهد المحاصصة هذا، تضع داود محاولة إنشاء نقابة للإعلام الالكتروني. “فهذه النقابة يحاول فرضها المجلس الوطني للاعلام الذي لعب كذراع للسلطة اللبنانية ووزارة الاعلام لفرض رقابتها على الإعلام مرات كثيرة، وأجاز لأجهزة أمنية إلقاء القبض على صحافيين واقتحام مقرات إعلامية. فكل الكيانات المنوط بها حماية الصحافيين بما فيها القضاء مقصرة في حمايتهم، بل ويلاحقونهم وينتهكون حقوقهم ويمنعونهم من فضح هذه الانتهاكات”.

 

أماّ التجمّع الذي يمنعه القانون من التحوّل إلى نقابة فعلية، فيعتبر اليوم أنّ دوره رفع الصوت ومقاومة التطبيل والمخبرين المتسلّطين في القطاع، ورأس المال والرقابة الذاتية. ومحاولة الضغط على المؤسسات الإعلامية لدفع مستحقات العاملين لديها. كما وتوعية الناس أن سلامة الصحافة ضرورية وتشكل حماية للمجتمع، وبأنه لا يجب الاعتداء على المراسلين.