Site icon IMLebanon

صحافة.. الحرب والسلم  

لم تكن الحرب اللبنانية نزهة، لكنّ اللبناني المشحون آنذاك بما تمليه عليه العقيدة والطائفة وما تقتضيه حسابات الأحياء والأحزاب والكانتونات، تغافل عن سوداوية الحروب وباتت مانشيتات الصحف اليومية كفيلة بلعب دور المحرك والوقود اللذين أتيا في حينه على أخضر البلد ويباسه، مشكّلة تلك المانشيتات هالة رمادية ظلت تعمم الأفق لسنوات مخلفة الدمار والقتل والتشرد والغياب. وبين مانشيت سعى لنقل الوقائع على الارض بحقائقها المرة وآخر عمل على تهدئة النفوس وثالث على تأجيجها ورابع على افتعال الحياة حيث محاور القناصة، تدرجت عناوين السلطة الرابعة من نزهة في حرب الى قاموس حربي فيه مصطلحات ورموز ومؤشرات تصعيد أو هدنة، وليس آخراً باتت المانشيتات سلطة خبيرة بشؤون الكلمة التي لها فعل السلاح ولها فعل السلام، وكلما ارتفعت النبرة تأزمت الشوارع، وبالاحتواء استكانت النفوس.

وفي حين أنه لا يخفى على أحد ما حصل في 13 من نيسان بروايتيه المتناقضتين، يتضح لمتابع مانشيتات تلك الفترة بالفعل، أن الكلمات المطبوعة تحولت لوقود يومي للمعركة، لتترجم الصحافة مقابل اطلاق النار على الأرض، تراشقا للاتهامات على الورق، بين كل الأطراف ومن كافة المناطق اللبنانية، فلم توفر الفتنة أحدا. أما القشة التي قصمت ظهر البعير فهي اندفاع اللبناني الأعمى ومن دون احتساب للعواقب في ظل غياب الكلمات المطمئنة، وخير دليل مانشيت «حرب وقف اطلاق النار».

ومن المفردات الأكثر تواترا في تلك الفترة هي الحرب والتوتر والقنص وفتح الجبهات والتحدي، وكلها من شأنها زيادة الاصرار على الاقتتال، وخرق الهدنة، وصولا الى التدمير الذاتي، والذي يمكن قراءته في أحد العناوين:« » الهدنة العشرون!‏ والرئة الثانية تعطّلت!‏« وفي المقابل فإن تعداد القتلى يوما بيوم لم يزلزل الضمير الشعبي ويغذي رغبته بالسلام، بل على العكس فإن نشر صور القتلى والجرحى والمفقودين في الصحف زكّى من الغضب في صفوف الجماهير، وأشعل فتيل الفتنة النائمة. فما لبثت الشعارات المذهبية أن دفعت بالكل لمحاربة الكل.

ولم يفت الصحف إن لم تنقل فوتوغرافيا القتلى والجرحى، التركيز على الجانب الانساني لأبناء»الطوائف«المشردين من منازلهم أو»للميليشيات«التي تنصب حواجزها في كل مكان أو حتى»للبورتري» الضخم للشهداء.

هذه الأمثلة ليست سوى قمة جبل الجليد، وعلاج المانشيتات كلها يتطلب صفحات لا تنتهي، لكنها تدفع للتساؤل هل كان الوضع سيختلف في حال تناولت الصحافة الأحداث بطريقة مغايرة ؟ لعل صحافة نيسان 2017 كما اللبناني اليوم تحمل الإجابة عن طريق انتهاج مانشيتات أكثر نضجا وحذرا.. فلا أحد يريد الانجرار الى جحيم الحرب مجددا. وقبيل ذكرى الحرب التي شرذمت الأخوة، ترتفع الدعوات للتعالي على الجراح والتفرقة ولتذكر الماضي فقط من أجل تجنب تكراره. ولو أن الظروف لم تتغير كثيرا، إلا أن اللبناني برهن عن سباقه للخير والذي سبق اليوم بأشواط كبيرة شرور نيسان المشؤوم وأعوام المرض الخمسة عشر..