IMLebanon

ضغوط على لبنان لتوطين 2.5 مليون سوري وفلسطيني!

مؤتمر برلين كان فخّاً للبنان، لا محاولةً للمساعدة في ملف اللاجئين السوريين. إنه حلقة أخرى، لا أخيرة، في عملية استدراج متواصلة. فلا مساعدات ولا مَن يساعدون، إلّا إذا رضخ لبنان للشروط… القاتلة.

الحلقة الأهمّ هي أن يوقّع لبنان اتفاقية جنيف للاجئين (1951). وعندئذٍ، يكون قد دخل في آليات الخطة الدولية المرسومة للشرق الأوسط الجديد. وحتى اللحظات الأخيرة، بقيت الإتفاقية مطروحة في صلب بيان برلين. لكنّ لبنان أصرّ على رفضها، فسُحِبت موقّتاً.والمحاولة ستتكرّر… بعد حين.

عملياً، إنّ لبنان مهدّد كيانياً باللاجئين ولو لم يوقّع اتفاقية جنيف. لكنه، إذا وقّعها، سيحكم على كيانه الحالي بالزوال عن الخريطة، وليس هناك شكوك أو مبالغات في ذلك. لماذا؟

أولاً، إنّ هذه الاتفاقية مُلزِمة لموقِّعيها. وهي ترعى أوضاع اللاجئين في الدول المضيفة، لضمان حقوقهم في حرية العقيدة والتنقل والتعليم والعمل والحصول على وثائق السفر. والمهم أنّ أحد أحكامها الرئيسة ينصّ على عدم جواز إعادة اللاجئين أو ردّهم إلى بلدهم، إذا كانوا يخشون التعرّض فيه للاضطهاد.

ووفقاً للاتفاقية، تتحمّل الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين. وتحتفظ مفوضية اللاجئين بـ»التزام رقابي» على هذه العملية، وتتدخّل حسب الاقتضاء لمنح اللاجئين صفة اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرّض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر. وتعترف المفوضية في شرحها للاتفاقية: «قد تنشأ حالات يندمج فيها اللاجئون بصورة دائمة فى بلد لجوئهم».

بالنسبة إلى لبنان، يعني ذلك بقاء 2,5 مليون لاجئ (2 مليون سوري ونصف مليون فلسطيني). وقد يرتفع الرقم أو يتقلّص وفقاً للظروف. فالسوريون لن يغادروا إذا استمرت الحرب في بلدهم لسنوات عدة، أو إذا أثبت الكثير منهم أنّ حياتهم أو حرياتهم معرّضة للخطر. أمّا الفلسطينيون فمن المؤكد أن إسرائيل تحرمهم من الحق في العودة إلى ديارهم.

وفي ظل رعاية دولية لحقوق اللاجئين في الإقامة والعمل والتنقل، سيتكرّس بقاؤهم في لبنان بلا أفق زمني محدّد. وهنا يصبح منطقياً الكلام على ذوبان اللاجئين في المجتمع اللبناني، أي «الإندماج الدائم في المجتمع المضيف»، وهو تعبير غير مباشر عن التوطين.

وهناك نموذج قوي للمقارنة. فاللاجئون الأفغان إلى باكستان يقاربون 2,7 مليون نسمة، وهم أكبر تجمّع للّاجئين في العالم. ويحاول الباكستانيون التخفيف من الوطأة بإبعاد قسم منهم إلى بلده. لكنّ المفوضية تتمسّك ببقائهم هناك، وفقاً لمنطوق الضرورات المنصوص عنها في اتفاقية جنيف (الخطر على حياتهم وحرياتهم).

وتمارس ضغوط على باكستان لمنح بعض اللاجئين الحقّ في التجنّس. أمّا المطالبة الباكستانية بتوطين قسم من اللاجئين في بلد ثالث فلم تتحقّق إلّا لأقلية صغيرة منهم. واللافت هو إصرار المفوضية على القول، متحدية موقف البلد المضيف: «سيظلّ اللاجئون الأفغان محتفظين بصفة لاجئين بموجب القانون الدولي، بصرف النظر عن وصف الحكومة الباكستانية لحالتهم».

وستواصل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الضغط على الحكومة الباكستانية لتسجيل اللاجئين بطريقة أو بأخرى. وإذا ما رفضت ذلك، يمكن أن تصدر لهم بطاقاتُ لاجئين تابعة للمفوضية بدلاً من ذلك، أي أنّ هؤلاء سيبقون على أرض باكستان كلاجئين، سواء ارتضَت ذلك أم رفضته.

قبل الحرب السورية، حاذر لبنان طويلاً أن يستجيب لمطالب القوى الدولية بالاعتراف بالاتفاقية، خوفاً من التزامات تجاه نصف مليون فلسطيني. أمّا

اليوم، مع المليوني سوري، فسيكون قاتلاً، لأنه سيعني التوطين المقنّع لهؤلاء، كليّاً أو جزئياً.

البعض يسأل: هل يكون الاتجاه لتحقيق الأهداف المشبوهة، أي توطين الفلسطينيين والسوريين، أسهل في غياب الرئيس المسيحي… هذا الغياب الذي قد يدوم طويلاً؟ وما صحّة المعلومات عن شراء سوريّين وفلسطينيّين أراض في مناطق لبنانية مختلفة بأسماء لبنانيين؟

أيّاً يكن الأمر، سيرفض كثير من اللبنانيين هذا التلاعب الفادح بالمعادلة اللبنانية الشديدة الحساسية طائفياً ومذهبياً ومناطقياً. وفي أيّ حال، لا يمكن أن يعود لبنان إلى شكله الحالي إذا وقع التوطين، أو أيّ شكل من أشكاله. فالتوطين يستتبع تغييرات جذرية أخرى، وظروف الشرق الأوسط تتيح هذه التغييرات. فهل هذا هو الذي يجري تحضيره للبنان والمنطقة؟