أكّدت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّه على الرغم من حرص رئيس الحُكومة سعد الحريري على إشاعة أجواء إيجابيّة بالنسبة إلى جلسة الحكومة، وإلى ملف قضيّة قبرشمون والبساتين، فإنّ الأمور عادت لتتعقّد من جديد فعليًا، بعد أن كانت قد شهدت بعض الحلحلة الجزئيّة خلال الأسبوع الماضي، بفضل جُهود مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم. وأوضحت أنّ رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط الذي كان قد تنفّس الصُعداء في بداية الأزمة، بسبب تلقّيه الدعم من قبل كل من «تيّار المُستقبل» وحزب «القوات اللبنانيّة»، إضافة إلى الموقف المُتمايز الذي إتخذه رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه بري، عاد ليتعرّض خلال الساعات والأيّام القليلة الماضية لضُغوط كبيرة ومُتصاعدة، لحمله على المُوافقة على إحالة ملف الحادثة المذكورة إلى المجلس العدلي. ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ هذا الحلّ، أو «المخرج الوحيد» المَطروح حاليًا أمام الزعيم الجُنبلاطي، يتمثّل بالمُوافقة على صيغة تسوية لهذه الإحالة تحفظ ماء وجهه فقط لا غير، وإلا فإنّ التعقيدات الحاليّة مُرشّحة لأن تتفاقم.
وأضافت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ مسألة صرف النظر عن الإحالة إلى المجلس العدلي لم تعد واردة بعد أنّ حظي رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، بدعم علني من جانب «حزب الله» في ما خصّ «أحداث الجبل» الأخيرة، يُضاف إلى الدعم خلف الكواليس الذي كان قد حظي به أيضًا من جانب «التيّار الوطني الحُرّ». وتابعت أنّه من هذا المُنطلق، ذهب النائب أرسلان بعيدًا في رفض أكثر من صيغة حلّ، ما لم تكن مَبنيّة على الإعتراف بحُصول مُحاولة إغتيال لوزير في الحكومة، وما لم تكن مَبنيّة أيضًا على إقرار مُسبق بضرورة إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي ليأخذ عندها القضاء مَجراه، بحسب نتائج التحقيقات وإفادات الشُهود وتسجيلات كاميرات المُراقبة والأفلام المُصوّرة من قبل المُواطنين خلال الحادثة.
وكشفت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ أكثر من جهة سياسيّة تُحاول إقناع الوزير السابق جنبلاط بضرورة المُوافقة على مطلب إحالة «أحداث الجبل» الأخيرة إلى المجلس العدلي، وكذلك بتسليم كلّ الأشخاص المَطلوبين والمُتهمين بالمُشاركة في الحادثة، على أن يترافق هذا الأمر مع تسوية تحفظ ماء وجهه « إذا جاز التعبير، تتمثّل بقيام «الحزب الديمقراطي اللبناني» بدوره بتسليم كل المَطلوبين الذين شاركوا بإطلاق النار» ولوّ في الهواء، خلال عمليّة تسهيل مُرور موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وسط المُتظاهرين، وبإعلان أرسلان قُبوله بأيّ حُكم يصدر عن القضاء، طالما أنّ التحقيقات ستأخذ مداها، في ظلّ وُجود كل الإثباتات، وكذلك كل المُشاركين في الأحداث رهن التحقيق. ولفتت الأوساط إلى أنّ تأكيد رئيس الحُكومة سعد الحريري أنّ الأسبوع المقبل سيشهد إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء، ينطلق من هذه التسوية التي يُعمل حاليًا عليها، لأنّ باقي الحُلول المُقترحة مُقفلة تمامًا حتى الساعة.
وأكّدت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ مصير جلسة الحُكومة المُؤجّلة يُراوح بين خيارين سيّئين في حال لم يسبقه إتفاق تسوية واضح، حيث أنّ قيام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بدعوة الحُكومة إلى الإنعقاد، من دون أن يسبق هذا الأمر التوافق على إحالة أحداث قبرشمون والبساتين إلى المجلس العدلي، سيُواجه بواحد من خيارين حازمين. وأوضحت أنّ الأوّل يتمثّل بمُقاطعة الجلسة من قبل وزراء كل من «التيّار الوطني الحُرّ» و«حزب الله» و«الحزب الديمقراطي اللبناني» وربما «تيّار المردة» أيضًا، بحيث تفقد نصابها القانوني، ناهيك عن توازنها الميثاقي وحتى السياسي. وأضافت الأوساط نفسها أنّ الخيار الثاني يتمثّل بأن تستجيب كل هذه القوى لدعوة إنعقاد الحُكومة، على أن تقوم في بداية الجلسة بإثارة الموضوع على طاولة البحث قبل التطرّق إلى جدول الأعمال بغضّ النظر عن مضمونه، مع ما يعنيه هذا الأمر من سجال سياسي حتمي لن ينتهي إلا بتفجير جلسة الحُكومة وبتعليق أعمالها، مع إضافة رفع مُستوى التشنّج الداخلي إلى أقصى حدّ!
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة كلامها بالقول إنّ هذا «السيناريو» السلبي هو الذي دفع برئيس الحُكومة إلى تأجيل إنعقاد أي جلسة حتى التوصّل إلى تسوية مُسبقة، على الرغم من المُخالفة القانونيّة التي تمثّلت في قيام مجلس النوّاب ببحث مُوازنة العام 2019 من دون البتّ بقطع الحساب عن السنوات السابقة، وهو الذي يدفعه إلى تفضيل خيار التعطيل على مُستوى السُلطة التنفيذيّة على خيار الإجتماع المُتفجّر ? كما هو مُتوقّع. ورأت الأوساط أنّ الكباش الحالي مُرشّح إلى أن يقصر أو أن يطول، تبعًا للموقف الذي سيتخذه رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي»، مُشيرة إلى أنّ المخرج الوحيد المُتاح حاليًا – بحسب توازنات القوى والمُعطيات المُتوفّرة، يتمثّل في أن يوافق جنبلاط على إحالة الملف موضوع الشكوى إلى المجلس العدلي، في مُقابل تسليم كل المَطلوبين والمُتهمين، والأهمّ في مُقابل حُصوله على تعهّد بمُحاكمة مُنصفة وعادلة لمُختلف القوى التي شاركت في القضيّة من دون أيّ إستثناء. وسألت: «هل يُوافق جنبلاط، أم يبقى مُراهنًا على صبر رئيس الحُكومة، وعلى عدم مُوافقة رئيس مجلس النواب على كسره بشكل علني فاقع؟!