يوما بعد يوم تشتد المواجهة بين الدولة اللبنانية والإرهابيين الذين لعبوا ورقة جديدة باعدامهم الشهيد علي البزال،مستغلين نقاط الضعف في الأداء الحكومي، والحسابات السياسية لاطرافها،واضعين المجند ابراهيم مغيط تاليا على اللائحة متوعدين رفيقه خالد مقبل في ارهاب عابر لكل الطوائف والمذاهب، في ظل غياب القرار اللبناني الواضح، المترنح على حبلي التراخي والمماطلة، الذي يمكن أن يوصلا الأمور الى الأسوأ، فيما المطلوب قرار من اثنين، فإما السير في طريق المفاوضات والمقايضة حتى النهاية، وإما المواجهة مهما كان الثمن.
مصادر مطلعة على دقائق الاتصالات والمفاوضات تؤكد ان الساعات التي سبقت الاعدام حملت معها اشارات واضحة الى ان الامور سائرة نحو التعقيد، زاد من هذا الاعتقاد الزيارة الخاطفة للوسيط القطري الذي رضخ لقرار المسلحين بعدم استقباله، هو الغير متحمس اساسا، لتقتصر مهمته على تسلم سيـدة قطرية وابنتها اصطحبهما اللواء ابراهيم معه من سوريا .
هذه الصورة السوداوية، عززتها بحسب المصادر جملة وقائع ابرزها:
– ابلاغ «النصرة« و«داعش» المفاوضين ان المشكلة هي لدى الطرف اللبناني الذي يتنكر لكل تعهداته، سائلة لماذا نجحت المفاوضات السابقة مع حزب الله وسوريا وايران فيما هي متعثرة مع الحكومة اللبنانية؟
– انتقال القرار في تحديد مصير العسكريين الى البغدادي والجولاني حصرا، بعد التوقيفات التي طالت «سيدات» التنظيمين، الامر الذي يمثل حساسية شديدة بالنسبة لهما.
-التسريبات التي سرت منذ فترة والتي تبين وقوف جهات معينة وراءها حول عزم قطر سحب وساطتها، والحملة التي طاولت مساعي الوزير ابو فاعور – الشيخ مصطفى الحجيري، والتي وقفت وراءها نفس الجهات.
– سوء ادارة المكلفين بالقضية للملف واطلاقهم مواقف متسرعة انعكست سلبا، وادت الى سجال غير مباشر دخل على خطه وزراء، بعد اعتبار البعض ان بامكانه ادارة الملف بالاسلوب ذاته الذي خاض فيه مفاوضات تحرير راهبات معلولا ومخطوفي اعزاز.
– الخطوات غير المدروسة التي قامت بها مخابرات الجيش من خلال حملة الاعتقالات، دون تقدير العواقب او تامين حماية الانجازات، والتي انتقدها صراحة وزير الداخلية واستدعت احتجاجا من قبل قيادة الجيش.
– اعلان «النصرة» وتأكيدها اكثر من مرة ان اعدام البزال علق ولم يلغ .
– فشل «جبهة النصرة» في تحقيق اهدافها من خلال تحرك الاهالي بعد المواجهة التي خاضتها القوى الامنية معهم والتي سبقتها حد كبير لحرية حركة الاهالي الاحتجاجية .
– تراجع الحماسة القطرية بعدما لمس المعنيون بها مماطلة وتسويف من قبل الجانب اللبناني ومحاولات للتعمية على الحقائق تبدأ من اللوائح الاسمية ولا تنتهي بالحملات ضد قطر والوسيط نفسه.
-عدم تعامل الدولة بجدية مع التهديدات واعتبارها مجرد حرب نفسية واعلامية يخوضها المسلحون الى ان وقع المحظور مع نجاح تكتيكهم في جر الدولة الى حيث ارادوا.
-تحجيم دور الوزير ابو فاعور الذي ساهم مع الشيخ مصطفى الحجيري في انقاذ البزال اكثر من مرة .
-رهان الدولة الفاشل على لعبة الوقت والعوامل الطبيعية، وعلى مزاوجتها بين اوراق القوة المتراكمة والمقدرة على استخدامها .
-سلسلة الهفوات المرتكبة من تهديدات بتنفيذ اعدامات خلافا للقوانين المرعية، مرورا بتسريبات تتعلق بالتحقيقات والامور الامنية وصولا الى توسيع البيكار وادخال اطراف لا علاقة لها كما حصل في توقيفات عناصر الجيش السوري الحر، الذي لعب في مرحلة ما دور الوسيط.
وعلى وقع فورة غضب الاهالي الممزوجة بالحزن، مع انقطاع خيط الامل الرفيع الذي التمسوه مع «الصيد الثمين» الجديد الذي « خرب كل شيء»، فضت خلية الازمة – التي وصفها النائب سليمان فرنجية بالخلية النائمة في تغريدة له على تويتر- اجتماعها على بيان بليغ الصياغة الوجدانية بسلة خاوية عمليا، على حدّ قول المصادر، وقد قرئ عنوان الاجتماع من منسوب التصريحات قبل بدئه – بعدما غاب كامل اعضاؤها عن السماع طوال ليل الجمعة باستثناء اللواء خير الباحث عن خبر يقين ليشفي غليل الاهالي- نتيجة التعارض الخفي في المواقف والمقاربات بين اعضائها الذي تجلى في مواقف اعضائها قبيل الاجتماع، في امتداد لما شهده اجتماع السراي الامني.
كان الشارع في مكان آخر يتحرك على حافة هاوية الفلتان الامني المضبوط، مع حواجز الخطف المسلحة وقطع الطرقات، في ظل الانتشار الامني الكثيف والاجراءات الاستثنائية للجيش من البقاع الى طرابلس والضنية، وانتشار مماثل لحزب الله في بعض مناطق الضاحية وعلى تخومها غير ان المعمعة الخطيرة التي تعيشها البلاد في مرحلة بالغة التعقيد، لا تخفي مسؤولية كل الاطراف السياسية والعسكرية والاعلامية على حدّ قول المصادر، التي تعاملت منذ البداية بلا مسؤولية مع القضية التي تحولت الى موضوع اعلامي – سياسي وحفلات مزايدات، بدفع من جهات محددة، بحيث اصبح كل تصريح وكل تحليل ومعلومة بمثابة ورقة قوة وضغط اضافية للخاطفين المستفيدين من تأجيج الجو المذهبي.
فصورة رصاصة «الكلاشينكوف» تخترق رأس الدركي الشهيد علي البزال، المرفقة بالصيغة المبهمة للبيان «رقم عشرين» والتسجيل الصوتي المضلل، فتحوا الاحتمالات على ان تكون عملية الاعدام قد نفذت في مرحلة سابقة بانتظار اللحظة المناسبة للاعلان عنها، اسفرت في نتائجها الاولية وبحسب المصادر عن:
-زيادة الارتباك اللبناني الذي يؤشر الى مزيد من التأزيم.
نجاح المسلحين في ادارة «اللعبة» والتحكم في مسارها رغم انقضاء 48 ساعة على اعدام البزال، اذ انتظرت «جبهة النصرة» انتهاء اجتماع خلية الازمة لتطلق تهديدها باعدام جنديين في حال عدم اطلاق «الاخوات».
-دخول «هيئة العلماء المسلمين» على الخط من جديد واصـدارها بيانها بعد ان اقحمها الشيشاني في شريطه المسجل .
-اخراج المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى دخوله على الخط الى العلن عبر تكليف الشيخ عباس زغيب، صاحب الباع الطويلة، متابعة الملف مع الاهالي.
– تصريح الوزير وائل ابو فاعور الذي اعاد خلط الاوراق.
-تعزيز موقف رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط وثبات صحة مقاربته وجدواها.
– حرق كل المراكب مع الشيخ مصطفى الحجيري مع اعلان «البزاليين» مطلبهم الصريح بضرورة اعتقاله واعدام ابنه.
– عودة الاحتقان الى الشارع وسط « الحصار» الذي فرض على عرسال.
– تحرك الاهالي باتجاه تركيا علها تغني عن التحرك القطري المتعثر.
الاكيد ان مرحلة ما بعد اعدام البزال، الذي سبق ان مات مئة مرة طول الفترة الماضية، لن تكون كما بعدها بحسب المصادر، بعدما وجد الجميع انفسهم امام استحقاق التهديدات التي اطلقوها . هيبة الدولة على المحك، والمسلحون ايضا امام اختبار اعدام جندي آخر بعد يومين بحسب تهديداتهم، كما ان الطرفين امام تهديد الشيشاني الذي صدق في منعه احمد الخطيب من دخول جرود عرسال، على ان لا ينجح في تحقيق وعده الثاني باسر نساء واطفال لبنانيين، ما قد ينقل عنها المسألة برمتها الى مسارات اخرى .
ولا شك ان الدولة أقوى من العصابة وان الاجرام لن يغلب القانون تقول المصادر رغم تنفيذ «النصرة» تهديدها، و«داعش» اوقفت التفاوض متوعدة، غير آبهتين بالتهديدات اللبنانية. ولكن كيف ستترجم المعادلة؟ وهل ستبادر الحكومة إلى تطبيق مبدأ «العين بالعين» وتنفيذ الأحكام بحق الارهابيين الموقوفين لديها، كما طلب أهالي البزالية ؟
ولكن أين هي أوراق قوة الدولة؟ أين قراراتها الرادعة؟ وأين هيبتها؟ ما الذي يؤخر حسمها؟ من يفرمل القرارات الحكومية المطلوبة؟ألا يجدر بالحكومة ان تفهم ضرورة المبادرة حتى لا تفاجأ كل يوم بشهيد؟
وماذا بعد؟ هل ينفجر الشارع؟ ايا كان الجواب، يبدو ان الطرفين تقول المصادر، قررا الذهاب الى مواجهة غير متكافئة وممارسة لعبة عض اصابع موجعة للاهالي وسط التساؤل الكبير عن الفرق بين ارهابي ومحكوم وارهابي موقوف .