في الفلسفة الإقتصادية، هناك العدالة الإقتصادية التي هي مبدأ يعتمد العدالة في إعادة توزيع الثروات الناتجة عن النشاط الإقتصادي وذلك من خلال السياسات الإقتصادية. أمّا العدالة الإجتماعية فهي مبدأ أخلاقي وسياسي يهدف إلى المـساواة في الحقوق ويدعو إلى التعاضد داخل المُجتمع الواحد.
العدالة الإجتماعية هي تصوّر فكري يطرح المثالية للمجتمع الذي نهدف إليه. وبما أن هذه النظرة مثالية ولا يُمكن الوصول إليها بسهولة، يتمّ القبول بلا عدالة في المجتمع على أن يتمّ محوها تدّريجيًا من خلال السياسات الإقتصادية والإجتماعية التي تتبعها الحكومات.
هذان النوعان من العدالة هما أسس المُجتمعات المُتطوّرة، وبالتالي لا يُمكن لأي مُجتمع مهما علا شأنه الإقتصادي والسياسي والعسكري والمالي أن يدّعي صفة المُجتمع المُتطوّر والمُتحضّر من دون تطبيق هذين المبدئين.
في الواقع أي إقتصاد يمتلك موارد لا يستخدمها يتمّ تصنيفه على أنه إقتصاد «مُتخلّف»، وأي مُجتمع فيه فقر، يتمّ تصنيفه على أن مُجتمع «مُتخلّف». هذه التصنيفات لا تأخذ في عين الإعتبار الواقع الإقتصادي أو السياسي للبلد، بل هي فلسفة تضع الأسس لنهج يتوجّب على كل من يتعاطى الشأن العام أن يعتمده وأن تكون تصرّفاته وأعماله في المجتمع وفي الإقتصاد وفي السياسة إنعكاس لهذا النهج.
العدالة الإقتصادية والعدالة الإجتماعية هي مبادئ مفقودة في المُجتمع اللبناني. هذا القول ليس بتجنّنٍ على الدولة ولا على الحكومات، بل هو قول مبني على أرقام تعكس الواقع الأليم الذي يعيشه الشعب اللبناني. فأرقام مصرف Credit Suisse تطّرح بشكلٍ واضح اللاعدالة في توزيع الثروات في لبنان مع 67.3% من الشعب اللبناني يمتلكون ثروة أقلّ من 10 ألاف دولار أميركي؛ 29.7% من الشعب اللبناني يمتلكون ثروة ما بين 10 ألاف و100 ألف دولار أميركي؛ 2.8% من الشعب اللبناني يمتلكون ثروة ما بين 100 ألف ومليون دولار أميركي؛ و0.3% من الشعب اللبناني يمتلكون أكثر من مليون دولار أميركي. هذه الهيكلية على شكل «إجاصة» تُهدّد بكارثة إجتماعية خصوصًا أن الـ 67.3% والـ 29.7% من الشعب اللبناني يتعرّضون لضغوطات هائلة حاليًا نتيجة الإرتفاع الكبير في الأسعار والناتج عن شحّ الدولار الأميركي في الأسواق.
على صعيد الفقر، الأرقام تُشير إلى كارثة إجتماعية مع نسبة فقر أصبحت تفوق ثلث الشعب اللبناني ومُرجحة إلى الإرتفاع إلى 50% إذا ما إستمرّت الأوضاع على ما هي عليه!
يُعّرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ثلاثة أنواع من الفقر:
«الفقر المدقع»: شخص يعيش في فقر مدقع إذا لم يكن لديه الدخل اللازم لتلبية احتياجاته الغذائية الأساسية – التي تعرّف عادة على أساس الاحتياجات من السعرات الحرارية الدنيا.
«الفقر العام»: شخص يعيش في الفقر العام إذا لم يكن لديه ما يكفي من الدخل لتلبية الاحتياجات الأساسية غير الغذائية له – مثل الملابس والطاقة والإسكان، والغذاء
«الفقر البشري»: غياب قدرات الإنسان الأساسية مثل الأمية وسوء التغذية، وإنخفاض طول العمر، وسوء صحة الأمهات، والأمراض التي يمكن الوقاية منها،
هناك أيضًا تقسيم أخر للفقر (OECD2001 ) ينصّ على أخذ أبعاده الإنسانية (غذاء، سكن، صحّة، تعليم)، الإقتصادية (الإستهلاك، المداخيل، الممتلكات)، الإجتماعية-الثقافية (الوضع الإجتماعي، الإندماج، الكرامة)، السياسية (الحقوق، التأثير، الحرية)، ودفاعية (الأمان، الضعف، المورنة).
وبغضّ النظر عن التقسيم الذي نعتمده للفقر، يبقى الإطار أسود للشعب اللبناني الذي تجاهلت السياسات الإقتصادية، الإجتماعية والبيئية على مرّ عقود وجوده! نعم فاللبناني فقير على الصعيد الإنساني، الإقتصادي، الإجتماعي، السياسي، والدفاعي. وفي بعض المناطق اللبنانية تصل نسبة الفقر العام إلى أكثر من 37% من الشعب في حين أن الفقر المُدّقع أصبح يطال العديد من المواطنين (لا نملك أرقامًا رسمية) بدليل عدد عمليات الإنتحار التي وصلت إلى 108 حالات هذا العام حتى تاريخه بحسب الدولية للمعلومات.
الأوضاع الإقتصادية الحالية والتي هي نتاج عقود من غياب السياسات الإقتصادية والإعتماد على الريع، دفعت بالعديد من الشركات إلى الإقفال أو دفع نصف أجر للموظفين. وهذا الأمر سيُقلّل من المدخول الشهري للعائلات وبالتالي سيزيد عدد العائلات على الأطراف التي لها مدخول شهري أقلّ من 324 دولاراً أميركياً إلى أكثر من 27%!
الفساد المُستشري في مركز القرار خلق إحتكارات جعلت من شبه المُستحيل إحترام قواعد اللعبة الإقتصادية المبّنية بالدرجة الأولى على التنافسية. ولم تقم أي سياسة حكومية بتصحيح هذا الخلل، لا بل على العكس إزدادت قوّة الإحتكار مع الوقت إلى درجة يُمكن من خلالها القول أن الإحتكار أخضع القرار السياسي وأصبح مشروع قانون التنافسية يقبع في جوارير الوزارات.
أيضًا لم تقم السياسات الإقتصادية والإجتماعية بإيلاء الأهمّية لوضع المواطن اللبناني. وعلى الرغم من أن محور مؤتمر باريس 3 كان الإنماء المناطقي، إلا أن شيئًا لم يُنفّذ من مقرّرات هذا المؤتمر. لا بل على العكس زاد الفقر في بعض الأطراف بشكل كبير وزادت البطالة خصوصًا مع النزوح السوري الكثيف والذي خلق نوعاً من الـ (Social Dumping ) أصبح معها الفقير أكثر فقرًا.
إن أي سياسة إقتصادية لا تأخذ بعين الإعتبار مبدأ العدالة الإقتصادية والعدالة الإجتماعية، هي سياسات ساقطة ولا يُمكن أن تبني أوطاناً أو مجتمعات مُتطوّرة. بل ستُبّقي الفكر اللبناني بعيدًا عن الإبداع. من هذا المُنطلق، نرى أن أي سياسة حكومية مُستقبلية، يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الإنماء المناطقي من خلال إنشاء مدن صناعية وتحفيز الزراعات في هذه المناطق، علّنا نقول في يومٍ من الأيام أن نسبة الفقر في لبنان إنخفضت إلى ما دون الـ 10%!