IMLebanon

الثمن

الحرية مراس شامل. ودائم. إذا أخطأناها يوماً، أو غفلنا عنها، أو تناسيناها، كسلاً، أو ترفاً، أو ضجراً، خسرناها. وقد يكون من الصعب استعادتها، أو تعويض ما فاتنا منها.

لهذا السبب بالذات، لا أعتقد أن الحرية تُجتزأ، أو تتحوّل ذكرى. بل أعتقد أنها العكس تماماً. مثلما أعتقد أن الهواء الذي تنشّقناه البارحة، وأول من أمس، لا يُغني عن تنشّقه، الآن، وغداً، وبعد كل غد.

لا يستطيع قلبٌ أن يواصل دقّاته إذا توقف لسببٍ من الأسباب. ولا الدماغ يستطيع، إذا أصيب بعطلٍ يحول دون ممارسته نشاطه الدائم.

كل توقف عن أداء هذه المهمة يفضي الى عطب. والعطب سريع، يشبه النعاس، والخدر، وهيهات أن يتمكن أحدٌ من تجاوزه… إلاّ بأعجوبة.

فلنتأمل أحوال العالم العربي. كل انقطاع عن الحرية فيه، مأساة، دون تجاوزها مآسي تلو مآسٍ، الى أن تصنع الحرية أعجوبتها، وهي لا تنصنع إلاّ بفائق الأعجوبة.

في العالم العربي، ثمة من يأخذ الحرية الى تقليم الأظفار. الى الخطر. الى الهاوية. كل سكوت عن هذا الأخذ، كل امتناع عن حماية هذه الحرية، ينطويان على تواطؤ، من شأنه أن يجعل بلدنا ينزلق الى الأتون.

في العالم العربي، ثمة من يمشي صوب حريته، مطالباً باستعادتها، في مشوار يستدعي إنجازه الكثير الكثير من التضحيات والآلام، كما يتطلب دفع أثمان مضاعفة. ذلك أن الانقطاع العربي عن هذه الحرية، حصل قسراً وبالقوة، ولعقود متطاولة، الأمر الذي يجعل شمسها تشرق من جديد، عملاً ضرورياً بامتياز، مهما كان الثمن بشعاً.

ليس هناك بدائل ولا احتمالات أمام الشعوب العربية، بل خيار واحد: أن تنتفض لكراماتها المهدورة، وأن تؤسس لشراكات حقيقية تتحدى المعوقات السياسية والاقتصادية الاجتماعية.

لقد آن الأوان لنرفع رؤوسنا، وأن نكون. هذا ليس مستحيلاً، وإن يكن صعباً. سيسقط كثيرون على الطريق. لكن العالم العربي لا يستطيع أن يعود الى الوراء.

لا أريد أن أذهب بعيداً في التنظير والتحليل. أريد فقط أن أنوّه بهذه الحرية التي نحتاج، والتي ينبغي لها أن تؤوي كل شيء، ولا تستثني شيئاً في السياسة، في الاجتماع، في الدين، في الثقافة، في الفكر، في الأدب، في الفن. وفي الحياة كلّها.

تلك هي الحرية التي نستحق: حرية لا تمالئ. لا تهادن. لا تداهن. لا تنام على حرير. لا تترفّه. لا “تتبغدد”. ولا تنقلب على نفسها. بل تكشف الأغطية. وتقسو.

وتسهر على قمرها ليبقى مشتعلاً حتى طلوع الضوء.