Site icon IMLebanon

إلى التقشّف سرّ

 

نداءالوطن” تجول في أسواق الضاحية الجنوبية

 

” بعد شوي حتصير بيروت أغلى من باريس”، المشكلة مش إنو نشتغل شغلتين المشكلة بإنو نقبض معاشنا كامل “، “إنسى الفواكه حذفتها من حساباتي من إسبوعين ” هذا هو حال لسان الكثير من اللبنانيين لا سيما المنتمين إلى الطبقة الوسطى والفقيرة “. فالحياة في بيروت تزداد صعوبةً مع إرتفاع اسعار المعيشة، الذي يطاول بشكل أساسي المواد الغذائية واقع جعل الفوارق الإجتماعية تتضاعف ومعها بدأت أحزمة البؤس والفقر في كل منطقة غنية في بيروت والمدن اللبنانية الكبرى تأخذ أشكالاً وأحجاماً جديدة لم نعهدها من قبل.

الأزمة الاقتصادية أدت إلى تراجع القدرة الشرائية، وإلى زيادة معدلات التضخم وإلى غلاء المواد الاستهلاكية ما بين 30 و 50 % في المائة، فمن يقدر على التحمّل؟ وهل سنشهد مجاعة في هذا القرن؟ «نداء الوطن» جالت في أحد أسواق الضاحية الجنوبية وسألت المواطنين عن حالهم وأحوالهم في هذا الزمن المجنون.

 

تحول شبح غلاء الأسعار إلى واقع مرير في العديد من المناطق اللبنانية، ويبدو أن صرخة المواطنين ليست كافية لتصل إلى آذان المعنيين المتلهين حالياً بالقضية الأكبر: “لعبة التأليف والتكليف”، متجاهلين بورصة أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه التي تتحرك طلوعاً فيما المستوى المعيشي ينحدر نزولاً.

 

وفي هذا السياق يقول محمود نحلة (صاحب مكتبة، 50 عاماً): “الغلاء الذي نعيشه منذ شهر ليس معقولاً ولا مقبولاً، وهو نتيجة إرتفاع أسعار الدولار وإنخفاض قيمة الليرة، وصحيحٌ أن السوبر ماركت ومحلات المواد الغذائية، واللحامين وبائعي الدجاج والأسماك، تبيعنا بالليرة لكنها رفعت الأسعار علينا، بعد أن وصل سعر الدولار إلى أكثر من 2000 ليرة”. معطياً مجموعة أمثلة عن معاناته فقد وصل سعر كيلو اللحم الى 20000 بعد أن كان 15000، (ماذا عن تخطي الكيلو الـ 35 ألفاً في مناطق أخرى؟) وسعر الـ 3 كيلو دجاج إلى 12000 بعد أن كنا نشتري 4 كيلو بالسعر ذاته، كما كنت أشتري شرحة البندورة بـ 5 آلاف ليرة، أما اليوم فالكيلو الواحد بـ 1500 و2000، واليوم إعتمدت صنفاً واحداً من الفواكه بدلاً من 4 في السابق. كل هذا دفعنا الى التقشف مع زوجتي وأولادي رغماً عنا. فهل هذا عادل ؟ أين مراقبو وزارة الإقتصاد ؟ ألا تهمها شؤون المواطن الحياتية؟.

 

بعض التجار يحتكرون البضائع

 

سألتهُ: “وهل الفروج آت من سويسرا ليصبح سعره 13000 أوليس الفروج إنتاجاً وطنياً؟” فبعد أن كنت أشتري الفروج (وزن 2 كيلو) بـ 8000 أصبح سعره 14000 ليرة، ما إضطرني إلى شراء كيلو “فخاذ” واحد؟ يوضح إبراهيم عبد الله ترحيني (حداد سيارات، 57 عاماً)، مستغرباً إرتفاع أسعار الأسماك “لا علاقة له بالدولار وأسعاره أصبحت نار، توقفت عن شراء “الأجاج” منذ أسبوعين بعد أن قفزت أسعاره من 9000 إلى 14000 ليرة”.

 

ويؤكد أن الفواكه أصبحت لها بورصة أسعار يومية، “لذلك ألغيتها من حساباتي منذ أسبوعين”، مشدداً على أن أسعار الخضار أيضاً لا ترحم، فسعر البندورة وصل الى 2000 بعد أن كان بـ 1000 ليرة والخيار كذلك، وحتى أسعار الدخان إرتفعت، وكل دكان يبيع على ذوقه، سائلاً: “أين حماية المستهلك؟ ما هذه الثورة التي أنتجت غلاء الأسعار؟ والمصيبة لا تقف هنا فـ”الشغل واقف والحركة خفيفة، ونعيش كل يوم بيومه”، كاشفاً أن بعض التجار يحتكرون البضائع، فشاحنات نقل الخضار موجودة خارج السوق ومتوقفة من قبل التجار، وذلك لرفع الأسعار.

 

الشاريو للنازح السوري والتقشف للبناني

 

بدورها ترى سميرة موسى (موظفة في القطاع التربوي) أن غلاء المعيشة إنعكس علينا على المستويات كافة، سواءً في المستشفيات أو بأسعار الدواء، وحتى بأسعار المواد الغذائية في السوبرماركت، شارحةً “الفاتورة التي كانت تصل الى 50000 باتت تصل اليوم الى 80000، الراتب هو ذاته فيما زيادة الاسعار أصبحت جنونية”، معتبرةً أنه إذا لم يكن الراتب يقارب المليونين فلا قدرة للمواطن على العيش في وطنه، مطلقةً الصرخة: “ما ذنب المواطن إذا ارتفع سعر الدولار؟ أوليس هذا من مسؤولية الدولة؟”.

 

وبرأيها فإن غلاء المعيشة تحول الى سيف قاتل على رقبة المواطن، فالأهالي لم يعد لديهم القدرة على دفع الأقساط، مطالبةً بوضع حدود فوراً لهذا الواقع المزري من خلال مراقبة الأسعار، خصوصاً أننا بتنا نرى النازح السوري يجر “الشاريو” المليئة بالكماليات أمام أعيننا فيما اللبناني مرغمٌ على التقشف في شراء إحتياجاته مراعاةً لوضعه الإقتصادي، فهل هذا المشهد عادلٌ؟ تسأل موسى.

 

أما هنادي حمادة (مدرسة، 48 عاماً) فتُبدي حسرتها على ما حل بالمواطن اللبناني: “شو بدو يلحق المواطن تَ يلحق وشو بدو يتحمل تَ يتحمل، ربما نصل بعد أسابيع الى مجاعة”، مضيفةً أن بعض المؤسسات التجارية تحسب الدولار على المواطن بـ 2200 ليرة، وهذا ينسحب على بدلات الإيجار، فبعض أصدقائي يدفعونها بالدولار نتيجة إصرار أصحابها على ذلك.

 

وإذ تبدي أسفها على الإحباط الذي أصاب المواطن، تصفه بـ “المشحّر المعتّر” لأنه لم تعد بيده حيلة تجاه غلاء الأسعار، مؤكدةً أننا اليوم نعود الى الوراء بكل شيء، فالزعماء لا يسمعون، والثورة وعلى الرغم من صوابية مطالبها لكنها بدأت تزيد من معاناة المواطن.

 

وتفيد في هذا الصدد بأن نصف المؤسسات أقفلت أبوابها والنصف الباقي لجأ الى لعبة “نصف الراتب” وهذا يسري على قسمٍ من المدارس والجامعات الخاصة، وتخلُص إلى أنه حتى موظف الدولة يعيش على أعصابه مخافة عدم قبض راتبه نهاية الشهر الحالي، والذي كان يقبضه أصلاً ليوزعه هنا وهناك، فالكل يصرخ “الله يسترنا من الأعظم”.

 

“الدولة ما فارقة معها”

 

من جهتها لا تتردد ميرفت سليم قبيسي(موظفة سابقة في بنك الجمال)، من القول: “اعتمدنا التقشف في الكثير من الأشياء وحتى في المتطلبات الضرورية، تركت عملي منذ أشهر، وفي حال بحثت عن عمل جديد بالتأكيد لن اجد في ظل هذه الازمة المعيشية المستفحلة”.

 

وتشدد على أنها لم تعد تقصد السوبرماركت والتعاونيات الإستهلاكية بسبب غلاء الاسعار، لتختار مكانها “سوق الجمّال” في الشياح، نظراً لأسعاره المقبولة، بالرغم من أن بعض الباعة فيه وللأسف عمدوا الى رفع الاسعار، معطيةً مثالاً عن غلاء الأسعار “منذ شهرين كانت بعض الطبخات تكلف 10 آلاف ليرة أما اليوم فأقل طبخة تكلف 20000″، وأردفت أنه من الأفضل للمواطن شراء السندويشات، والله يساعد الفقير في هذا البلد.

 

ورداً على سؤال تجيب: “الدولة ما فارقة معها، هي شاطرة فقط بالتصريحات والمواقف لا أكثر، نعيش في فوضى الاسعار والمعيشة ولا من يضبط ولا من يحزنون. بعد شوي حتصير بيروت أغلى من باريس”.

بيروت بين الأغلى

حلّت بيروت في المرتبة الرابعة في ترتيب أكثر المدن العربية في غلاء المعيشة، وفي المرتبة الـ 53 عالمياً بعد كل من دبي وأبو ظبي والرياض، المدن التي احتلت على التوالي المراكز الثلاث الاولى عربياً والمراكز الـ 21 و33 و 35 عالمياً في الدراسة السنوية حول كلفة المعيشة في 209 مدن في العالم بينها 17 عربية، والتي أجرتها شركة الإستشارات العالمية «Mercer» والصادرة في تموز الماضي، وشملت 17 مدينة عربية. وتُجري هذه الدراسة مقارنة بين كلفة 200 سلعة في كلّ مدينة شملها المسح، وتشمل المقارنة كلفة السكن، والطعام، والملبس، والسلع المنزلية، بالإضافة إلى المواصلات والترفيه. وقد إرتفعت كلفة المعيشة في بيروت بالمقارنة مع مدن أخرى، حيث تقدمت مرتبتها العالمية بـ12 مركزاً في مسح هذا العام، وذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وتداعياته على سعر صرف الليرة اللبنانية الثابتة مقابله، إضافةً إلى الزيادات الكبيرة في أسعار الإيجار.