صعب أن تنتابك، في اللحظة ذاتها، مشاعر الفخر والإعتزاز، ومشاعر الغضب والقهر. إنها المعادلة القاسية التي كُتب على اللبنانيين أن يعيشوها… وقد عاشوها أمس بين فرحة النصر العارمة وزهوه الكبير، وبين قهر إعلان ما هو معروف (منذ زمن غير قريب) بأن العسكريين الذي إختطفهم تنظيم داعش الإرهابي البغيض قد سقطوا شهداء بعدما توقفت لعبة «الفيديوات» القذرة التي كان هذا التنظيم الإرهابي قد سجّلها لهم.
وفي كلا الحالين هي ساعة للفرح والإعتزاز:
1 – الفرح والإعتزاز بأنّ هذا الوطن الصغير المعذّب حقق إنتصاراً (بل الإنتصار الأول الكامل والناجز) على داعش. فيما لا تزال سائر البلدان المعنية تنوء تحت أثقال وجرائم هذا التنظيم الإرهابي.
2- الفرح بأنّ أرضنا المقدّسة، المجبولة بدماء الشهداء الأبرار الطاهرة، قد تحرّرت كلياً من تنظيمين إرهابيين دوّخا البلدان القريبة والبعيدة… فدوّخهما لبنان وطردهما مدحورين من جرود عرسال أولاً ثم من جرود القاع ورأس بعلبك.
3- الفرح والفخار بأنّ جيشنا البطل خاض معركة رائعة، بالمعايير العسكرية كلها، وبأقل قدر من الخسائر في الأرواح خصوصاً أنّ الشهداء الذين سقطوا لجيشنا لم يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، ولم يسقطوا (مع الجرحى شفاهم اللّه) في المواجهة إنما بالألغام، لأنّ الإرهابيين الذين روّعوا العالم كانوا يفرّون كالأرانب المذعورة من أمام أبطال الجيش (…).
4- وهي، كما أسلفنا، ساعة للفرح والإعتزاز برغم القهر والغضب والحزن جراء الكشف علناً عن مصير العسكريين (أقله عن مصير ستة منهم تأكيداً) فاللبنانيون يفخرون ويعتزون بهم كونهم سقطوا شهداء وإلا فكان بقاؤهم على قيد الحياة دليلاً على تبعيتهم للإرهابيين. وهذا ما لم يحصل.
5- ولكنها، الى ذلك، ساعة لا تمحو القهر والغضب على مسار ذلك الثاني من اب 2014 المشؤوم، يوم وقعت واقعة ما كان يجب أن تقع…
لذلك دعونا، سابقاً، وفي هذه الزاوية، لأن يُفتح تحقيق كامل، شامل، دقيق، حول ما جرى في ذلك اليوم، ينتهي ليس فقط بالرد على الأسئلة، بل بمحاكمة المسؤولين عنه.
ونود أن نحصر المسؤولية بكونها عسكرية… ولسنا نطالب بالمسؤولية السياسية ليس لأن أهل السياسة ذوي الصلة هم أتقياء أنقياء، إنما لأنّ الأمن في عهدة الجيش (كان يومها ولا يزال الى اليوم) فلم يكن مقبولاً أو معقولاً أو مفهوماً أن يُترك إرهابيو النصرة وداعش ينسحبون من عرسال وبصحبتهم جنود الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي خصوصاً وتمّت هذه الصفقة / السقطة المميتة بعدما سقط للجيش شهداء أبطال من ضباط وجنود بالهجوم البربري على المخافر والمراكز العسكرية…
ونرفض سلفاً التذرع بعدم وجود «الأوامر» أو «القرارات» السياسية … نرفض لأن الجيش مكلف أساساً، بموجب قرارات مكررة صادرة عن مجلس الوزراء، أمن تلك المنطقة وأمن لبنان كله… ولأن الجيش عندما يسقط له شهداء لا يتلقى الأوامر إلاّ من دماء الشهداء… وكان على قيادة الجيش في حينه أن تتحمل مسؤوليتها وتواجه الإرهابيين في الميدان، ولو أدى الأمر الى إنضمام العسكريين الى قوافل الشهداء الأبرار بالعزة والكرامة، وهم سقطوا شهداء في أيّ حال… أما المرتزقة الإرهابيون فيلاقون مصيرهم المحتوم.
وهذا لم يحصل في ذلك الحين، مع الأسف الشديد!
لذلك طالبنا ونطالب بالتحقيق الجدّي مع قيادة الجيش السابقة… كما نطالب بالإستماع الى شهادة الجنرال شامل روكز ليرد على سؤالين اساسيين:
الأول: ماذا كان تقويمك للمواجهة لو تمت في حينه مع الإرهابيين؟
الثاني: من أصدر الأوامر بانسحاب فوج المغاوير، الذي كان تحت إمرتك، من عرسال ومنطقتها قبيل تنفيذ الصفقة المشبوهة..
وأما بعض من أدوا الأدوار القذرة في المفاوضات فمعروفون… وليأخذ التحقيق مجراه.